-A +A
شتيوي الغيثي
يختلف الكثيرون حول أشهر جائزة عالمية للسلام وللأدب والعلوم (نوبل) فما بين من يشكك بها وبنوايا أصحابها ذوي التوجهات السياسية المختلفة، وآخر يعتبرها أهم جائزة على الإطلاق والحصول عليها هو بمثابة التتويج للجهود العظيمة التي عمل عليها عدد من الحقوقيين أو السياسيين أو الأدباء والعلماء، وما أن يحصل عليها اسم من الأسماء حتى تثور عاصفة من الجدل حول الشخصيات التي اختارتها اللجان سواء على جائزة السلام أو الأدب أو العلوم. والمشكلة تكمن في الخلط بين التوجهات السياسية والعلمية والأدبية في الجائزة، فإذا كانت جائزة السلام تحصل عليها بعض الإشكاليات، بحكم أهواء السياسيين والتوجهات السياسية المختلفة، فإن جائزة الأدب وجائزة العلوم خارج هذه المشكلة كونها أقرب إلى الموضوعية منها إلى جائزة السلام، فالسياسيون غالبا ما كانت اختياراتهم خاضعة إلى شروط المسألة السياسية، وهي مسألة تتحكم بها المصالح أكثر من غيرها خلاف الأدب والعلوم التي تخرج عن هذا الإطار عادة، لذلك تكون جائزتا الأدب والعلوم أقرب إلى المصداقية من جائزة السلام.
كان للعرب نصيب من جائزة نوبل ولكنه في جانب جائزة السلام أكثر من جائزة الأدب والعلوم، وحصل جدل في استحقاق الأسماء التي فازت بها من العرب بدءا من السادات وانتهاء في توكل كرمان، وسواء اتفقنا أو اختلفنا على الأسماء التي حازت عليها من العرب؛ إلا أنها كانت ذات جدلية سياسية أكثر منها في الأدب إذ يشهد المنصفون استحقاق نجيب محفوظ جائزة الأدب واستحقاق أحمد زويل جائزة العلوم في الكيمياء، وهذا راجع إلى ما قلناه في الفقرة السابقة من قرب جائزة الأدب والعلوم من المصداقية خلاف جائزة السلام. فالعرب على كثير من مشاكلهم السياسية والثقافية والعلمية حصلوا على جزء لا بأس به منها (من المفارقة العجيبة أن يحصل العرب على جائزة السلام أكثر من جائزتي الأدب والعلوم)، وليس صحيحا أن العرب لا يستحقونها ــ كما هو رأي الكاتبة سوسن الأبطح في الشرق الأوسط قبل أيام ــ فلدينا عدد من الأسماء التي أثرت الساحة الأدبية والعلمية، لكنها بالتأكيد ليست بحكم التأثير العالمي على المسيرة العلمية والأدبية، لذلك جاءت جائزتا الأدب والعلوم لتعطينا حجم مساحتنا في التأثير الثقافي على العالم. (لست ممن يحب جلد الذات ولكن أيضا لست ممن يعطي لثقافتنا وتأثيرها حجما أكبر منها).

في سؤال وجهه لي الزميل أحمد عايل فقيهي عن عدم نيل العرب جائزة في الأدب بعد نجيب محفوظ ذكرت بأن الإشكالية تكمن في ضعف الحضور الثقافي والعلمي وقوة التراجع الحضاري في العالم العربي، فالأدب صدى للواقع، وهو واقع للأسف لا ينم عن قوة فعلية إلا من بعض الأسماء التي لا تشكل تأثيرا على الحركة الثقافية في المنطقة ككل، كما أن الواقع العلمي مترد ترديا لا مثيل له في تاريخنا العربي، ولذلك لم يحصل العرب إلا على جائزة في الأدب وجائزة في العلوم رغم أني أتصور زويل في الأساس كان قد جاء من داخل الإطار الغربي وتأثيراته أكثر من تأثيرات الفكر العربي عليه، وعلى هذا يبقى نجيب محفوظ الوحيد الذي خرج باستحقاق جدير به من داخل الثقافة العربية.
أما عن أدونيس، الذي صاحب اسمه ملازما لحضور الجائزة كل عام في عالمنا العربي لتذهب كل مرة إلى غيره، فإنه أحد الشخصيات الجدلية التي يختلف حولها الناس أكثر مما يتفقون سواء على قابليتهم لأدبه أو استحقاقه الجائزة، فهو بالتأكيد من الشخصيات الأدبية المهمة في الوطن العربي؛ لكنه ــ في رأيي الخاص ــ ليس الأهم بحيث نصنع من أجله مناحات ثقافية لعدم فوزه، أو يثور حوله جدل في استحقاقه الجائزة أو عدم استحقاقه لها. هذا أولا : ثانيا : هناك العديد من الأسماء التي تنافس أدونيس في جدارة الاستحقاق، ولم يلتفت إليها أحد، فلماذا أدونيس بالذات من نصنع له هذه الهالة الثقافية ؟ المغرب العربي مثلا من تونس إلى موريتانيا فيه العديد من الأسماء التي تشتغل بجهد أكبر من جهد المشارقة العرب سواء على المستوى الأدبي أو الفكري، وهي الآن تمثل الثقافة العربية الجادة وتأثيراتها تمتد حتى المشرق، فلماذا التركيز على أدونيس دون غيره؟ لا أنتقص من حجم الرجل، رغم بعض مواقفه غير المشرفة من الثورات العربية الشعبية، ولكن أتصور أنه ليس بذلك الأديب الذي يوازي استحقاق نجيب محفوظ حتى نتحسر على عدم نيله الجائزة كل عام، فهي لن ترفع من قدره في حال نالها، ولن تنقصه في عدم نيلها، لذلك لسنا بحاجة إلى تلك المناحة الثقافية غير المبررة في تبجيل أدونيس أو تبجيل غيره.
على العموم تبقى جائزة نوبل للأدب وللعلوم بعيدة قليلا عنا نحن العرب لما فينا من مشكلات ثقافية كثيرة ليس أقلها غياب حرية التعبير، لتجعل أي عمل أدبي محاطا بكثير من القيود السياسية والدينية، فلا أدب حقيقيا إلا مع حريات حقيقية، والتي ليست في العالم العربي حتى الآن.