-A +A
محمد السديري
انتهى موسم الحج لهذا العام بنجاحٍ منقطع النظير، وعاد الحجيج إلى أهلهم وأوطانهم سالمين غانمين مقبولين ــ بإذن الله ــ بعد أن عاشوا أياما إيمانية تملؤها الطمأنينة والسكينة متنقلين بين المشاعر الطاهرة ليشهدوا منافع لهم وليكبروا الله على ما هداهم ولعلهم يشكرون.
كثيرة هي العوامل التي أسهمت في تحقيق النجاح الكبير والملموس لموسم الحج هذا العام، والذي جاء امتدادا للنجاحات المتلاحقة التي شهدتها مواسم الحج في السنوات الماضية، بدءا من تضافر الجهود التي تبذلها مختلف أجهزة الدولة ذات العلاقة بالحج، ومن ساندهم من منسوبي المؤسسات المجتمعية المشاركة، والتي جندت كل طاقاتها في سبيل تنفيذ كافة الخطط الأمنية والوقائية والصحية والتنظيمية والخدمية والمرورية ضمن منظومة متكاملة من الخدمات والتسهيلات، والتي لم يكن لها أن تتحقق لولا ذلك الدعم المطلق واللامحدود الذي وفرته حكومة خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ حين سخرت إمكاناتها المالية والبشرية ومقدراتها في تنفيذ العديد من المشروعات العملاقة والمهمة في مختلف المجالات التي كان لها بالغ الأثر في نجاح الحج، ومكنت الحجاج من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة وراحة واطمئنان.

لن ننظر لكل ذلك، فتلك شواهد لا يختلف عليها أحد، ولا ينكرها إلا جاحد، وقد شهد بنجاحها القريب والبعيد في قدرة بلادنا على التعامل مع الحشود وإدارتها وتنظيمها بتميز واقتدار، وذلك ما يسر الخاطر، ويشرح النفس، ويبهج الفؤاد تلك المواقف الإنسانية المشرفة وغير المستغربة التي قدمها أبناء مملكة الإنسانية في تعاملهم الحسن مع الحجاج في كافة القطاعات الأمنية والكشفية والطبية، وكذلك القائمون بخدمات التغذية والإرشاد والتوجيه والنقل والإعلام والثقافة التي تعبر عن مدى البشاشة والجدية والإيجابية التي يتعامل بها رجالنا.
لقد اصطادت كاميرات الحجاج خلال موسم حج هذا العام العديد من الصور، والتي انتشرت لمجموعة من المشاهد والمواقف الإنسانية ذات الصبغة الحضارية التي قدمها رجال الأمن والفرق الطبية والكشفية وهم يتسابقون لخدمة الحجاج وضيوف الرحمن على اختلاف جنسياتهم وتنوع لغاتهم، حتى كانوا على قلب رجل واحد وبهمة واحدة؛ لأن المهمة والواجب كان هو الأهم وهو الشرف الذي لا يماثله شرف.
شاهدنا، بإعجاب كبير، صورا جميلة ورائعة لرجال أمن تنضح مواقفهم نبلا وتشع محبة وإنسانية جعلت منهم نجوما متلألئة تشع إشراقا وبهجة لحجيج الله، وترمي بشررها على العابثين الحاقدين، لم يقتصر دورهم على تنظيم السير وتسهيل حركة المرور وحفظ الأمن ومتابعة تحركات الحجيج، بل تعدى دورهم إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال الصور والمشاهد الإنسانية التي وثقتها عدسات المصورين في إرشاد السائلين والتائهين والقيام بأعمال إنسانية امتدت لمساعدة ضيوف الرحمن من الضعفاء والعجزة والمقعدين وكبار السن والرجال والنساء والأطفال.
رأينا صورا إنسانية كثيرة على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام، والتي تبعث في النفس الاعتزاز والفخر وترسم صورا إيجابية وجميلة عن وطننا المضياف والودود، وتبين مدى التفاني في العمل والجهد المبذول لشباب هذا الوطن وأدائهم الرائع وجهدهم المتميز والروح المعنوية العالية التي أظهروها وهم يتسابقون ويتنافسون بمشاعر صادقة لخدمة الحجيج وتوفير الراحة وتسهيل المصاعب لحجاج بيت الله الحرام رغم التعب والإرهاق في أسمى مكان وأجل زمان.
رأينا تلك الصورة التي ظهر فيها أحد رجال الأمن وهو يرش الماء بمنتهى الإنسانية على الحجاج المتواجدين على جبل الرحمة في يوم عرفة لاتقاء الحرارة ولهيب الشمس الحارق، ورأينا صورة لرجل آخر وهو يحمل رضيعا تاه بين الزحام، وثالث يحمل سيدة أغمي عليها في الطواف، ومجموعة أخرى وهم يمسكون بيد شيخ لإيصاله لمخيمه بعد أن ضاع وفقد أسرته، وغيرها الكثير من الصور والمواقف المشرفة لرجالنا المخلصين بكافة قطاعاتهم.
كل هذه المجهودات وهذا التميز يجعلنا مطالبين بالسير قدما على طريق النجاح الدائم والمستمر، وأن تعظم مسؤوليتنا في العمل بجدٍ وتفانٍ وإخلاص بما يضمن أداء هذه المهمة العظيمة التي شرفنا الله تعالى بالقيام بها على أكمل وجه، متطلعين إلى مواسم أخرى قادمة تكون أكثر نجاحا وتوفيقا.
ختام القول، لا يسعني إلا أن أزجي عاطر الثناء والعرفان لكل من ساهم وشارك في إنجاح هذا الجمع الإيماني نظير جهودهم الخيرة التي بذلوها في أجواء من الأمن والاستقرار، وبالأخص أولئك الرجال الذين تولوا العمل في الميدان وفي المخيمات والسكن والنقل وجميع الخدمات التي قدمت لحجاج بيت الله. سائلين المولى القدير أن يجزل الأجر والمثوبة لقيادة هذه البلاد المباركة، وأن يرفع من قدرها، ويديم عز بلادنا ويحفظها من كل مكروه، وأن يقبل من الحجاج حجهم، ويغفر ذنبهم، وأن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار.