-A +A
عدنان الشبراوي (جدة)
برزت في كارثة سيول جدة 10 أسماء اعتبرت الأشهر من بين 332 متهما خضعوا للتحقيق والتحري قبل إحالتهم إلى القضاء. ولعل أكثر الجهات تواجدا في ملفات الفاجعة أمانة جدة وبعض منسوبيها ممن وجه لهم الادعاء العام التهم أو مكاتب هندسية واستشارية وشركات مقاولات نفذت مشاريع تتبع لها، كما أن الأمانة نفسها كانت اللاعب الأساسي في قضايا المخططات والأحياء وشملت قوائم الاتهام كتاب عدل ورجال أعمال ومهندسين ومسؤولين في شركة المياه الوطنية.
أول الأسماء المتهمة أمين سابق في محافظة جدة مثل أمام 3 محاكم وأدين في قضية رشوة وحكم عليه بالسجن 8 سنوات.. غير أن المفارقة أن قضية الرشوة التي دين فيها لا علاقة بفاجعة السيول الشهيرة ولاحقا نسب إلى الرجل تهمة غسل الأموال وتم صرف النظر عن الدعوى، واستند حكم البراءة من كارثة السيول على تقارير سرية.
المدعي العام وجه إلى أمين جدة الأسبق تهمة التسبب في إزهاق الأرواح والأضرار والإتلاف بالممتلكات العامة والخاصة واستند على أدلة وقرائن مرفقة في ملف الدعوى، وذكر المدعي العام في لائحة الاتهام أن ما أقدم عليه المتهم يعد تعديا على الضروريات الخمس التي كفل الإسلام حمايتها، كما أن الأفعال التي ارتكبها تعد مخالفة صريحة للأوامر والتعليمات وعدم مراعاة لمصالح الوطن والعامة من الناس. وطبقا للمدعي العام فإن ما أقدم عليه المتهم فعل محرم ومعاقب عليه شرعا ونظاما، مطالبا إثبات ما أسند إلى المتهم والحكم عليه بعقوبة تعزيرية رادعة ومعاقبته بالسجن عشر سنوات في قضية غسل الأموال، إلا أن المحكمة التي نظرت القضية انتهت بصرف النظر عن الدعوى لعدم وجود أدلة وقرائن تدين الأمين الأسبق.

ظلموني .. قدر الله وما شاء فعل
المعلومات التي حصلت عليها «عكاظ» أشارت إلى أن الأمين قدم للمحكمة وثائق وخطابات ممهورة بتوقيعه وشرح على خطاب بخط يده يشدد فيه منع البناء في مخطط قويزة أحد أبرز المخططات التي ضربتها السيول.
الأمين الأسبق ذكر في دفوعاته أنه ظل واثقا من أن القضاء سينصفه من التهمة، وقال «كنت أؤكد للجميع أنه لا علاقة لي بكارثة سيول جدة بتاتا وهو الأمر الذي آلمني على مدى سنوات كون الكثيرين خاضوا في ذلك الأمر واطلعت المحكمة على مخاطبات ووثائق تؤكد سلامة موقفي .. أنا لم أخالف أي تعليمات ولم أسمح بأي بناء في المخططات التي ضربتها السيول .. قدر الله وما شاء فعل، وأشد ما آلمني على امتداد السنوات الماضية إصرار البعض على ربط كارثة سيول جدة لي.. وأحمد الله على ما تحقق من ثبوت عدم وجود أي صلة لي بأي تجاوزات وذلك ما يهون علي مصيبتي».


رياضيون في مستنقعات السيول
ثاني أشهر المحاكمات تتعلق بملف 6 شخصيات بينهم 4 رياضيين رجال أعمال، أحدهم رئيس ناد سابق وعضو شرف في ناد جماهيري، والآخر يعمل في مجال الهندسة، والثالث رئيس ناد وقيادي سابق في أمانة جدة، والرابع مسؤول في الأمانة وعضو في ناد كروي كبير، وتعرض المتهمون الستة إلى ضغوط إعلامية رهيبة كونهم الأكثر شهرة في الوسطين الاجتماعي والرياضي. وقد بلغت الضغوطات كما ذكر أحدهم إلى إصابته بأمراض الضغط والسكري وهو يشاهد ما تبثه المواقع الإلكترونية من أخبار وتعليقات غير صحيحة. وأكد المتهمون أن التهم التي وجهت إليهم لا لها علاقة بالسيول وإنهم سجنوا لأكثر من 3 أشهر ما الحق بهم الضرر النفسي والمادي والاجتماعي والاقتصادي وفي نهاية المطاف تم الحكم ببراءتهم.

المرء مؤاخذ بإقراره
المدعي العام في هيئة الرقابة والتحقيق قال، وقتذاك، إن إنكار المتهمين اللاحق لاعترافاتهم المصادق عليها شرعا بحجة تعرضهم للضغط والإكراه ما هو إلا دفاع واه لا يعول عليه، والقصد منه التنصل من المسؤولية الجنائية كون اعترافاتهم الشرعية المصادق عليها جاءت مترابطة ومتناسقة في وقائعها، بما يعطي تأكيدا أنها صادرة منهم بمحض إرادتهم وكامل قواهم وهم مؤاخذون بما أقروا به تبعا للقاعدة الفقهية (المرء مؤاخذ بإقراره). وظل المدعي العام مستمسكا بمحاكمة وإدانة المتهمين ومحاكمتهم وتطبيق الأنظمة بحقهم، معترضا في ذات الوقت على أحكام البراءة التي حكم بها للبعض مطالبا بتشديد العقوبة لمن حكم عليه بالإدانة.
قيادي آخر في أمانة جدة مازال رهن المحاكم حتى اليوم أدلى باعترافات خطيرة إذ اتهم أحد الأمناء بتلقي رشوة بقيمة 150 مليون ريال قبل سنوات مقابل تحويل جزء من شارع التحلية إلى منطقة تجارية، كما اتهم آمين آخر بالاستيلاء على منح الأراضي وتحويل الحدائق العامة إلى ملكيات خاصة، كما وجه تهما مختلفة إلى عدد كبير من مسؤولي الأمانة، واعتبر المتهم أحد أبرز منسوبي أمانة جدة وله علاقة قوية بإدارة السيول.

ثنائي الهندسة والتكسب من الوظيفة
من أشهر المتهمين مهندسا عمال في عدة إدارات وشغلا مناصب رفيعة في الأمانة ووجه إليهما المدعي العام تهما عدة أمام المحكمة الإدارية أبرزها الرشوة والعبث بالأنظمة والاشتغال بالتجارة والتفريط في المال العام. وأحال معهما المدعي العام ملفات 3 مهندسين يعملون في شركات مقاولات في القطاع الخاص أشرفوا على تنفيذ مشاريع متعاقد عليها مع أمانة جدة. وطالب الادعاء العام بإيقاع أقصى عقوبة بحق الثنائي وفق النظام وتتنوع ووتشابه التهم الموجهة إلى المتهمين الذين يواجهون تهم الرشوة والتزوير وغسل الأموال وسوء استعمال السلطة والتكسب من الوظيفة العامة والعبث بالأنظمة والتعليمات والغش، إضافة إلى تهم التسبب في إزهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات، ويحال المتهمون من هيئة الرقابة والتحقيق إلى المحكمة الإدارية في ديوان المظالم في إطار اختصاص الديوان بالنظر في القضايا المرتبطة بالموظفين في الدعاوى الجزائية ضدهم أمام الجهة القضائية المختصة فيما تمت إحالة القضايا المرتبطة بالعقوبات الجنائية إلى المحكمة الجزائية.

تداخل العقوبات في الجرائم المتعددة
عضو هيئة الرقابة والتحقيق السابق المحامي والمستشار القانوني محمد مناع المؤنس يعلق على ذلك بالقول إنه إذا صدر حكم واحد بعدة عقوبات لعدة جرائم أو صدر عدة أحكام لعدة جرائم فإنه في جميع الحالات تجمع العقوبات ولا تتداخل.. هذا من الناحية التنفيذية، ولا يملك حق التداخل إلا السلطة القضائية عبر الأنظمة المنصوص عليها مثل الوارد في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، حيث نص على وجوب التداخل عند تماثل الجريمة أو دخول التهمة الصغيرة في الكبيرة. أما الأحكام الصادرة في جرائم متنوعة مثل الرشوة، التزوير، سوء استخدام السلطة ونحوها فإنها كما يقول المستشار المؤنس لا تتداخل وإنما تجمع العقوبات في بعضها وفي هذه الحالة لا يمكن تخفيض المدة إلا بعفو من ولي الأمر.. أما الحق الخاص فلا يملك التنازل عنه إلا صاحبه. ويختم بقوله «لا تتداخل العقوبات حتى لو تعددت الجريمة من نفس النوع كأن يحكم متهم في عدة جرائم رشوة طالما أن القاضي لم يدخل بعضها في بعض».

المنح وحجج الاستحكام
المحامي والمستشار القانوني سعد المالكي ذكر أن كتابات العدل لا تملك صلاحية إلغاء صكوك الملكية ويقتصر دورها على التوثيق والصكوك المنشأة لحق تملك العقار أما أن تكون (منحة)، وإما أن تكون بناء الإحياء الشرعي (حجة استحكام)، ويصعب على القضاء العام إلغاء الصكوك التي سبق إصدارها واصطبحت نهائية وتناقلها أشخاص عبر أشخاص ويهدف ذلك إلى استقرار الملكيات.
ويرى المالكي أن علاج أي مواقع خطرة في مجاري السيول وبطون الأودية هو تفعيل أحكام نظام نزع ملكية العقار للمنفعة العامة والذي أجاز في مادته الأولى لكافة الوزارات والجهات الحكومية نزع ملكية العقار للمنفعة العامة لقاء تعويض عادل ولكن المادة الأولى من النظام اشترط لذلك وجود مشروع ترغب الجهة الراغبة في نزع الملكية تنفيذه.