في السابع من شهر المحرم 1433هـ كانون الأول 2011م غادرنا إلى جوار ربه أستاذنا الرائد عبدالكريم الجهيمان – رحمه الله –، بقي دائما بالذاكرة وواصل محبوه وأصدقاؤه الذين كانوا يلتفون حوله مساء كل يوم اثنين في مجلسه فيأنس بهم ويأنسون به وتدور الأحاديث والطرائف والأخبار بين صلاتي المغرب والعشاء..
ما زالوا رغم مرور ثلاث سنوات على وفاته يلتقون مساء آخر يوم اثنين من كل شهر هجري في منزله وفي ضيافة ابنته الدكتورة ليلى وابنها بدر بن عبدالكريم بن صالح الجهيمان مع حضور ابني الفقيد سهيل وناصر، فنتذكر المرحوم ونذكر مآثره الجمة وندعو له بالرحمة والمغفرة.
وعند متابعتي لحلقة (أديب وسيرة) التي استضافت فيها قناة الثقافية الأستاذ الشاعر هاشم الجحدلي مساء الأربعاء الماضي، وقد عرضت صورته إلى جوار الراحل بلقطة أتذكر أنها أخذت لهما في زيارة لمعرض الكتاب بالقاهرة قبل نحو عشر سنوات، تداعت الذكريات والصور الجميلة لما يتحلى به الجهيمان من سمو أخلاق وذوق وعلو همة، ومن محبة للخير ومساعدة للغير..
لقد تذكرت الطرائف التي نسمعها منه عند سفرنا، وعن ترويحه لمن معه في طرد الملل والسأم، ومنها على سبيل المثال عندما يطلب شيئا مني أو منى أحد من يجرؤ عليه ويكون راضيا عليه يقول له: أحسنت بصوت عال، ويكملها بصوت خافت إلى العصفور، فأسأله عن معناها فيقول إن هارون الرشيد ضجر يوما فخرج يتمشى في مزرعته ومعه وزيره البرمكي فشاهد عصفورا فوق الشجرة، فطلب القوس ليرميه بسهم أخطأه فطار العصفور، فصرخ الوزير قائلا: أحسنت يا أمير المؤمنين، فنهره قائلا: أتسخر مني؟ فرد عليه: إنك أحسنت إلى العصفور إذ حررته من الموت. وطرفة أخرى، عندما يريد أن يمتدح أحدا قال له بيت شعر شعبي قديم هو:
يستاهل المدح أبو سيرين والا الدمنتي بطل كاره
ويذكر أن سياراة (الدمنتي) بقايا الحرب العالمية الثانية جاءت من ألمانيا وهي كالسلحفاة تمشي ببطء، فجاءت بعدها سياراة نقل جديدة تسير بسرعة وبها عدة سيور بدل السير الواحد. وأخرى عندما يكون في وضع بين الرضاء والغضب ويطلب أن أقدم له شيئا يقول: يا بيه، فيأتيه طلبه سريعا فيعود إليه الرضاء فيقول شكرا يا أفندي بيه باشا.
وأذكر أنني ذهبت برفقته للأحساء عام 1422هـ لزيارة الشاعر المرحوم عبدالرحمن المنصور، فسألته قبيل دخولنا عليه، هل هو يماثلك بالسن؟ فقال لا هذا بالنسبة لي (بزر) كبر أخوي صالح.
وكان يردد المثلين: عندما يرى أحد الحضور غير راض عن شيء معين: لحية يرضيها مد شعير وش يزعلها. والثاني: جعل العاقبة حميدة – وهي من كان يحمل هذا الاسم والتي كانت تخدمهم في إحدى سفراته مع الشيخ حمد الجاسر للقاهرة.
سألته في منزل الشيخ عثمان الحقيل – رحمه الله – صباح الخميس 26/5/1427هـ أن أهل مدينة شقراء يعرفون بمعايير فما هي معيارتك؟ فرد قائلا: «إن والده يدعى بـ(مدفن) ويدعونه (مديفن) من باب التصغير، فعلق الشيخ الحقيل إنه كان يدعى بـ(مشرق) وكان بالمحكمة الشرعية فعلق أحد الحضور بأنه إذا كان مشرق فهو (مغرق).
وإذا سئل عن شخص لا يرضى عنه قال عنه قول الشاعر:
ونعم قصر دونه ونعم تـعــــــــداه
والنعم الآخــر ما تحوشه أياديه
كثيرا ما رافقته أثناء سفره فكان يحرص على حمل حقيبة صغيرة وبها أشياء لا تفارقه: نظارات شمسية، ساعة منبهة لتحديد مواعيد الصلاة والاستيقاظ، فرشاة ومعجون أسنان، مكنة حلاقة كهربائية، حذاء بلاستيك، فرشات شعر، كريم لدهان وجهه ويديه، حلاوة (برميت)، كلونيا للتطيب يوميا، مقص أظافر، بعض الأدوية بالذات الفيتامينات وثوب وبجامة للنوم وفوطة صغيرة، وأول ما يصل لوجهته لا بد أن يتصل بأولاده ليطمئنهم. ثم يسأل عن مكان فيش الكهرباء لوضع مكنة الحلاقة. ومعرفة القبلة للصلاة، ويطلب علبة صغيرة لوضع أسنانه التركيبة فيها عند النوم.
وكان له برنامج يومي ثابت وهي التمشية قبيل الغروب والسباحة - إن تيسرت - صباحا. وكان يشرب كأس ماء بارد قبل رياضة المشي قائلا: إن الجسم يتكيف مع حالة الجو.
وعند قرب غروب الشمس يجلس في مكان مرتفع يرى فيه قرصها مع الغروب، ويردد (غابت.. غابت.. جعلها ما تغاب لنا بصديق) قائلا: إن والدته كانت تقول ذلك عند الغروب.
أخيرا قال عنه الصديق الشاعر محمد العلي عندما التقاه بدمشق عام 1423هـ: إن الجهيمان طفل يلعب بالحياة.. فهو يتبع كل التعليمات الصحية وهو متشبث بالحياة، إذ كنا في زيارة للقاهرة وقت معرض الكتاب وكان الجو شديد البرودة فأصيب بحكة أزعجته فطلبت منه أن أذهب به للمستشفى فرفض بدعوى أنه لا يثق بأطبائها، فعليه أن يعود للمملكة لطبيبه المعتاد.
لقد أحسن مركز حمد الجاسر الثقافي صنعا في إصدار كتاب عنه بعد رحيله بعنوان (عبدالكريم الجهيمان.. أصداء الرحيل) جمع به أغلب ما نشر عنه بعد وفاته – رحمه الله – إلا أن هناك من كتب ولم يضمه الكتاب سهوا وبالذات ابنته الدكتورة ليلى التي كتبت تحت عنوان: (عبدالكريم الجهيمان.. الأب الذي عرفته..) ونشرته في صحيفة الوطن في 23 محرم 1433هـ ومقال الأستاذ عدنان السيد محمد العوامي (الجهيمان.. رائدا لصحافة في الشرقية) والقي في حفل تأبينه بمركز حمد الجاسر الثقافي بالرياض بعيد وفاته.
وختاما: أتوجه برجاء وأمل لمعالي مدير جامعة الأمير سلمان بالخرج، بأن تسمي إحدى قاعات الجامعة باسمه، وأن تقام عنه ندوة ثقافية تتناول الجوانب المختلفة من حياته واهتماماته فهو إضافة لعمله في التربية والتعليم وإدارته لأول مدرسة ابتدائية رسمية افتتحت بالخرج عام 1362هـ أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد تبرع – رحمه الله – بقيمة إنشاء مدرسة متوسطة بالمحافظة تحمل اسمه، قبيل وفاته، وقد افتتحها إلى جانبه سمو أمير المحافظة صاحب السمو الملكي عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز مساء الاثنين 3/6/1425هـ ومدير التعليم محمد الفواز.
فعبدالكريم الجهيمان إلى جانب ريادته في التعليم فهو كذلك رائد للصحافة في المنطقة الشرقية، وأديب مثقف كتب في الرحلات والأمثال والأساطير والشعر وقصص الأطفال وغيرها رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
ما زالوا رغم مرور ثلاث سنوات على وفاته يلتقون مساء آخر يوم اثنين من كل شهر هجري في منزله وفي ضيافة ابنته الدكتورة ليلى وابنها بدر بن عبدالكريم بن صالح الجهيمان مع حضور ابني الفقيد سهيل وناصر، فنتذكر المرحوم ونذكر مآثره الجمة وندعو له بالرحمة والمغفرة.
وعند متابعتي لحلقة (أديب وسيرة) التي استضافت فيها قناة الثقافية الأستاذ الشاعر هاشم الجحدلي مساء الأربعاء الماضي، وقد عرضت صورته إلى جوار الراحل بلقطة أتذكر أنها أخذت لهما في زيارة لمعرض الكتاب بالقاهرة قبل نحو عشر سنوات، تداعت الذكريات والصور الجميلة لما يتحلى به الجهيمان من سمو أخلاق وذوق وعلو همة، ومن محبة للخير ومساعدة للغير..
لقد تذكرت الطرائف التي نسمعها منه عند سفرنا، وعن ترويحه لمن معه في طرد الملل والسأم، ومنها على سبيل المثال عندما يطلب شيئا مني أو منى أحد من يجرؤ عليه ويكون راضيا عليه يقول له: أحسنت بصوت عال، ويكملها بصوت خافت إلى العصفور، فأسأله عن معناها فيقول إن هارون الرشيد ضجر يوما فخرج يتمشى في مزرعته ومعه وزيره البرمكي فشاهد عصفورا فوق الشجرة، فطلب القوس ليرميه بسهم أخطأه فطار العصفور، فصرخ الوزير قائلا: أحسنت يا أمير المؤمنين، فنهره قائلا: أتسخر مني؟ فرد عليه: إنك أحسنت إلى العصفور إذ حررته من الموت. وطرفة أخرى، عندما يريد أن يمتدح أحدا قال له بيت شعر شعبي قديم هو:
يستاهل المدح أبو سيرين والا الدمنتي بطل كاره
ويذكر أن سياراة (الدمنتي) بقايا الحرب العالمية الثانية جاءت من ألمانيا وهي كالسلحفاة تمشي ببطء، فجاءت بعدها سياراة نقل جديدة تسير بسرعة وبها عدة سيور بدل السير الواحد. وأخرى عندما يكون في وضع بين الرضاء والغضب ويطلب أن أقدم له شيئا يقول: يا بيه، فيأتيه طلبه سريعا فيعود إليه الرضاء فيقول شكرا يا أفندي بيه باشا.
وأذكر أنني ذهبت برفقته للأحساء عام 1422هـ لزيارة الشاعر المرحوم عبدالرحمن المنصور، فسألته قبيل دخولنا عليه، هل هو يماثلك بالسن؟ فقال لا هذا بالنسبة لي (بزر) كبر أخوي صالح.
وكان يردد المثلين: عندما يرى أحد الحضور غير راض عن شيء معين: لحية يرضيها مد شعير وش يزعلها. والثاني: جعل العاقبة حميدة – وهي من كان يحمل هذا الاسم والتي كانت تخدمهم في إحدى سفراته مع الشيخ حمد الجاسر للقاهرة.
سألته في منزل الشيخ عثمان الحقيل – رحمه الله – صباح الخميس 26/5/1427هـ أن أهل مدينة شقراء يعرفون بمعايير فما هي معيارتك؟ فرد قائلا: «إن والده يدعى بـ(مدفن) ويدعونه (مديفن) من باب التصغير، فعلق الشيخ الحقيل إنه كان يدعى بـ(مشرق) وكان بالمحكمة الشرعية فعلق أحد الحضور بأنه إذا كان مشرق فهو (مغرق).
وإذا سئل عن شخص لا يرضى عنه قال عنه قول الشاعر:
ونعم قصر دونه ونعم تـعــــــــداه
والنعم الآخــر ما تحوشه أياديه
كثيرا ما رافقته أثناء سفره فكان يحرص على حمل حقيبة صغيرة وبها أشياء لا تفارقه: نظارات شمسية، ساعة منبهة لتحديد مواعيد الصلاة والاستيقاظ، فرشاة ومعجون أسنان، مكنة حلاقة كهربائية، حذاء بلاستيك، فرشات شعر، كريم لدهان وجهه ويديه، حلاوة (برميت)، كلونيا للتطيب يوميا، مقص أظافر، بعض الأدوية بالذات الفيتامينات وثوب وبجامة للنوم وفوطة صغيرة، وأول ما يصل لوجهته لا بد أن يتصل بأولاده ليطمئنهم. ثم يسأل عن مكان فيش الكهرباء لوضع مكنة الحلاقة. ومعرفة القبلة للصلاة، ويطلب علبة صغيرة لوضع أسنانه التركيبة فيها عند النوم.
وكان له برنامج يومي ثابت وهي التمشية قبيل الغروب والسباحة - إن تيسرت - صباحا. وكان يشرب كأس ماء بارد قبل رياضة المشي قائلا: إن الجسم يتكيف مع حالة الجو.
وعند قرب غروب الشمس يجلس في مكان مرتفع يرى فيه قرصها مع الغروب، ويردد (غابت.. غابت.. جعلها ما تغاب لنا بصديق) قائلا: إن والدته كانت تقول ذلك عند الغروب.
أخيرا قال عنه الصديق الشاعر محمد العلي عندما التقاه بدمشق عام 1423هـ: إن الجهيمان طفل يلعب بالحياة.. فهو يتبع كل التعليمات الصحية وهو متشبث بالحياة، إذ كنا في زيارة للقاهرة وقت معرض الكتاب وكان الجو شديد البرودة فأصيب بحكة أزعجته فطلبت منه أن أذهب به للمستشفى فرفض بدعوى أنه لا يثق بأطبائها، فعليه أن يعود للمملكة لطبيبه المعتاد.
لقد أحسن مركز حمد الجاسر الثقافي صنعا في إصدار كتاب عنه بعد رحيله بعنوان (عبدالكريم الجهيمان.. أصداء الرحيل) جمع به أغلب ما نشر عنه بعد وفاته – رحمه الله – إلا أن هناك من كتب ولم يضمه الكتاب سهوا وبالذات ابنته الدكتورة ليلى التي كتبت تحت عنوان: (عبدالكريم الجهيمان.. الأب الذي عرفته..) ونشرته في صحيفة الوطن في 23 محرم 1433هـ ومقال الأستاذ عدنان السيد محمد العوامي (الجهيمان.. رائدا لصحافة في الشرقية) والقي في حفل تأبينه بمركز حمد الجاسر الثقافي بالرياض بعيد وفاته.
وختاما: أتوجه برجاء وأمل لمعالي مدير جامعة الأمير سلمان بالخرج، بأن تسمي إحدى قاعات الجامعة باسمه، وأن تقام عنه ندوة ثقافية تتناول الجوانب المختلفة من حياته واهتماماته فهو إضافة لعمله في التربية والتعليم وإدارته لأول مدرسة ابتدائية رسمية افتتحت بالخرج عام 1362هـ أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد تبرع – رحمه الله – بقيمة إنشاء مدرسة متوسطة بالمحافظة تحمل اسمه، قبيل وفاته، وقد افتتحها إلى جانبه سمو أمير المحافظة صاحب السمو الملكي عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز مساء الاثنين 3/6/1425هـ ومدير التعليم محمد الفواز.
فعبدالكريم الجهيمان إلى جانب ريادته في التعليم فهو كذلك رائد للصحافة في المنطقة الشرقية، وأديب مثقف كتب في الرحلات والأمثال والأساطير والشعر وقصص الأطفال وغيرها رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.