-A +A
علي حسن التواتي
انخفض الريال السعودي يوم الثلاثاء الماضي 21 أكتوبر 2014 بشكل حاد مقابل الدولار في السوق المستقبلية للعملات. ويعتبر ذلك الانخفاض هو الأدنى منذ مارس 2011 حينما تعرضت أسواق الشرق الأوسط حينها لأزمة مفاجئة بسبب الصدمة التي تلقتها من الأحداث العنيفة التي اجتاحتها وعرفت بالربيع العربي.
ورغم أن الخبراء في صندوق النقد الدولي والمتاجرين في العملات يخففون من وطأة هذا الانخفاض على الاقتصاد السعودي في المدى القصير وعلى ربط الريال بالدولار عند سعر (3.75) إلا أنهم يجمعون أيضاً على أن السوق السعودية وأسواق المنطقة تستجيب في هذا الانخفاض للانخفاض الكبير في أسعار النفط العالمية في الآونة الأخيرة، وتطلق إشارات إلى أن الفترة القادمة قد تكون فترة تقلبات اقتصادية حادة ترتفع فيها درجة المخاطرة في أسواق المنطقة خاصة أن الدرهم الإماراتي استجاب بالهبوط أيضاً وإن كانت نسبة هبوطه أيضاً أقل من الريال.

وتتزايد الضغوط على الريال نتيجة لتسارع الطلب على كميات كبيرة (أكبر من المعتاد) من الدولارات لأغراض الاحتفاظ أوالتحويل إضافة للتخوف من الانخفاض الحاد الذي طرأ على سوق الأسهم السعودية على مدى الأسبوعين الماضيين. ولكن رغم التخفيف من المخاطر الاقتصادية القادمة استنادا على حجم الدين الوطني القليل، وتوافر احتياطات مالية تقدر بحوالى (737) مليار دولار تمكن الدولة من تغطية عجز الميزانية عن انخفاض أسعار النفط لعدة سنوات في حال استمرار اسعار النفط تحت مستوى سعر التعادل (90.70) دولار للميزانية السعودية إلا أن لي بعض الملاحظات في هذه المسألة.
فبعض المصادر تشير إلى أن النسبة الكبرى من الطلب المستقبلي العالي على الدولار هي بغرض تحويل الأموال للخارج. ولكن لا توجد أرقام دقيقة لهذه النسبة وتفريعاتها سواء لغرض المتاجرة والاستثمار مع العالم الخارجي أو للأغراض العائلية أو طلباً للأمان بسبب التخوف من المستقبل؟ فمؤسسة النقد العربي السعودي لا تتيح مثل هذه البيانات بالتفصيل والتوقيت المناسبين ولا تصدر أية بيانات استثنائية توضح للمواطنين ما يجري رغم أن الجهود التي تبذل من الدولة للحفاظ على سعر الصرف الثابت هائلة برغم تسارع الطلب على الدولار وتوقعات المزيد من الارتفاعات التي قد تضطر المؤسسة في مرحلة لاحقة إلى تغيير سعر الصرف بسبب تزايد ما تتحمله خزينة الدولة من تبعات الحفاظ على تثبيته. أما الملاحظة الثانية فسأطرحها بكل صراحة ووضوح وتتمثل في غياب الدور التوعوي لمؤسسة النقد واضطلاعها بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه المواطنين في معاملاتهم المحلية والدولية. فلماذا لا تصدر بيانات مفصلة ومقنعة لتهدئة المخاوف وتعزيز ثقة المواطن بسلامة اقتصادنا ومركزنا المالي وسلامة نظامنا البنكي وقدرته على مواجهة الأزمات. ورغم علمنا بالإجابة الأزلية المعلبة بأن سوقنا حرة وكل شخص أمين على أمواله يفعل فيها ما يشاء، إلا أن هذا لا يعفي المؤسسة من توعية المواطن بالمخاطر التي قد تواجهه في حال إيداع أمواله في بنوك أجنبية من خلال نشرة أسبوعية وندوات توعوية قد تثنيه عن اتخاذ العديد من القرارات التي قد تؤثر في مستقبله ومستقبل ورثته. فمثلا حين يحول تاجر أو مواطن عادي أموالا لأي غرض من الأغراض لبنك يظن أنه آمن في أوربا أو أمريكا أو أي مكان آخر في العالم ، هل ينبه إلى أن 25 بنكا في منطقة اليورو لم تجتز بنجاح اختبار التحمل في الأزمات؟ وأن العديد من البنوك الأمريكية والعالمية ما زالت مهددة بالإفلاس في ضوء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تلقي بظلالها الثقيلة على العالم من جديد؟
ولربما يدفع البعض بأن توفير مثل هذه المعلومات والاختيارات لا يدخل في نطاق مسؤوليات المؤسسة. بل يدخل في نطاق صلاحيات المكاتب الاستشارية وأقسام الاستثمار في البنوك. وعلى هذا أجيب بأنني أعلم هذا ولكن أعلم أيضاً أن (كافة) المكاتب الاستشارية وأقسام الاستثمار في (الخليج) لا تدار بأيد وطنية وما هي سوى فروع لبنوك وبيوت تمويل غربية أو تعمل لحسابها لتدس السم في العسل لمن يقوده حظه العاثر للاستعانة بها وإلا فما الذي يمكن أن يقال عن تجميع ثروات عشرات السعوديين في بنوك أمريكية كبرى أعلنت إفلاسها و(إفلاسهم) معها سنة 2008، فكيف أخذوا على حين غرة؟ أليس بسبب الاستشارات التي كانت تضللهم عمدا للتعامل مع بنوك وبيوت استثمار بعينها دون غيرها.
ولذلك نحن الآن في المملكة كمواطنين عاديين وكشخصيات اعتبارية بأمس الحاجة لمزيد من التفاصيل والمعلومات عن وضعنا الاقتصادي ومراكزنا المالية والنقدية من مؤسسة النقد العربي السعودي كجهة محايدة موثوقة تتحمل المسؤولية المعلوماتية في ما يصدر عنها لتهدئة المخاوف وتعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني وبسلامة توجهاته وقدرته على الصمود وتجاوز الأزمات.