-A +A
أنور ماجد عشقي
في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1945م تكون نظام عالمي لعبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية دور القوة المهيمنة، ولكن سرعان ما بدأ في التفكك، وبرزت الصين في صعود سريع نحو الانتشار الاقتصادي في العالم، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تواجه المتاعب في فترة انتقالية صعبة.
لم يعد الصراع المسلح هو الأسلوب الأمثل للتحول إلى قوة عظمى، وبهذا يكون الجنس البشري قد تعلم من تاريخه، وهي فرضية يصعب إثباتها، ومع هذا فإن الصين والولايات المتحدة تتجنبان الوقوع في سوء الفهم المميت.
يرى أحد المفكرين الاستراتيجيين، أن الولايات المتحدة تحولت إلى قوة تبشيرية، فنصبت نفسها داعية للحرية والديمقراطية، وظهرت الصين كقوة مناهضة للتبشير، لكنها تعلمت من تاريخها الطويل بسبب الغزو الأجنبي بأنه يجب عليها وعلى الدول عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وبذلك لم يصنف التاريخ الصين بأنها دولة غازية.
والصين ترفض إصدار الأحكام بخصوص الآخرين لأن ذلك ينعكس على تاريخها فيشكل لونا من ألوان النزاهة الأخلاقية، أما الغرب فينظر إلى السياسات الصينية على أنها نوع من السعي الفج وراء المكاسب التجارية.
وعندما قام ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز بزيارة الصين، أبلغ سموه الرئيس الصيني (شين جين بينغ) بأن المملكة تتطلع إلى تعاون بين البلدين لإنهاء الأزمة السورية، وفي كلمته خلال الاستقبال الذي أقامه بينج يوم الخميس 13 مارس 2014م قال الأمير سلمان: نتطلع إلى التعاون مع حكومة جمهورية الصين الشعبية لتحقيق الحل السلمي العاجل للمسألة السورية.
في الزيارة الأولى للقنصل العام الصيني لمكتب مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية وهو مركز مستقل، سألته: ماذا يقصد الرئيس الصيني؟ وما هي الاستراتيجية الخاصة بالصين في الشرق الأوسط؟ فكانت إجابته ليست شافية، لكني أدركت فيما بعد أن أدبيات السياسة الخارجية الصينية تقوم على عدم التدخل في شؤون الغير لأنها عانت من ويلات هذا التدخل في تاريخها الطويل، ولكني على يقين بأن الرئيس جينبينغ يشعر ببعض الارتياح وهو يرى الولايات المتحدة تسقط في شرك الشرق الأوسط الجديد.
بعد الحرب العالمية الثانية، عجزت الولايات المتحدة عن الانكفاء على ذاتها فدخل في روع الشعب الأمريكي وحتى في مغامراتهم الحربية أن لديهم قناعة راسخة بأن بلدهم هي منارة الإنسانية، بينما نجد الصين تعيش بنفس القدر من القوة لترى نفسها قوة فريدة في عدم سعيها للتوسع على حساب الآخرين، مسكونة في ذلك بمبادئها الكونفوشية الخيرة، وترى الصين أنها تقف على النقيض من الغرب الاستعدائي.
فالصين وصلت إلى هذه الحالة عبر إحياء كونفوشيوس وبناء معاهد انتشرت باسمه في أنحاء العالم تعبر عن فكره، وفي هذا الصدد كتب الأستاذ المساعد بجامعة وستيرن ميتشجين يوان كانغ وانغ مقالا في مجلة (فورين بوليسي) عن الصين، أن هذا الانتشار تكون من الاعتقاد بأن الصين التاريخية تمثل حضارة لأمة تنشر ثقافة السلام.

* رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية