استطالة سنوات التقاضي هي أسرع طريق لإضاعة الحقوق، وهناك ملفات ووقائع تركها أصحابها كما هي بعدما زهدوا من متابعتها مع أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، لكن تقادم القضايا في ردهات المحاكم دفعت كثيرين إلى الزهد في المتابعة والمراجعة والتقاضي .. وقد يتجاوز آخرون لأخذ الحقوق بأياديهم لاسمح الله. ها هو عبد الله الذي كفل صديقاً له لدى إحدى الشركات مقابل حصول الصديق على قرض مصرفي فأصبح مرتادا وزائرا مداوما لدى المحاكم عندما امتنع الصديق عن الإيفاء بالتزامه تجاهه رغم قدرته المالية.. فيقول عبد الله إنه قدم لساحة القضاء كافة الأوراق والمستندات التي تؤكد قدرة خصمه على السداد كانت النتيجة أن حجز البنك على أراضٍ مملوكة له ومازال يلاحق دعوى إزالة الحجز يوما بعد يوم وسط حزمة من التأجيلات المتكررة.
مثل هذه القضية وغيرها تأخذ وقتا ليس بالقصير في المحاكم فأصبحت الشغل الشاغل للمراجعين الذين يتساءلون عن إمكانية تسريـع وتيرتها واختصار مدتها.. ها هو ثامر الدوسري أحد مرتادي المحاكم بصورة أسبوعية يرد بصورة أو بأخرى ليقول إن الإجراءات أصبحت أكثر سهولة من ذي قبل فبحكم عمله في إفراغ صكوك الاراضي منذ سنوات فإن إجراء كهذا يستغرق زيارة واحدة على خلاف ما كان يحدث في السابق حيث تستغرق عملية الإفراغ أكثر من زيارة إلى المحكمة، ويحمل فهد العبدان أحد المراجعين في قضية استرداد أموال، يحمل الخصوم مسؤولية تأخير البت في القضايا إذ يشير إلى أن الطرف الاخر في الدعوى يماطل في الحضور ويعمل على تغيير عنوانه من وقت لآخر وهو يؤدي إلى تأخير البت لشهور عدة.
في المقابل تؤكد وزارة العدل أن هناك العديد من التعديلات المهمة التي أنجزتها بهدف النهوض بالمنظومة القضائية وتسريـع عمليات التقاضي، ومن التعديلات إنشاء دوائر للأحوال الشخصية بمدينة الرياض للنظر في دعاوى الخلافات الزوجية، والطلاق، والنشوز، والخلع، والحضانة، والنفقة، وحق الزيارة، والعضل، والعنف، والإرث، وغيرها من القضايا المتعلقة بالأسرة والمرأة. كما تم استحداث دوائر قضائية متخصصة في الأحوال الشخصية مهمتها البت في القضايا الأسرية داخل المحاكم العامة والفصل في القضايا الزوجية والأسرية بهدف التسريـع واستخدام برنامج إلكتروني يقرب المواعيد بحيث لا تتعدى أسبوعين على الأكثر، وتنفيذ أحكامها بالقوة الجبرية فورا عبر قضاة التنفيذ، ومنح الخصوصية للقضايا الأسرية بعيدا عن الجنائية وغيرها.
وذكرت الوزارة أن افتتاح دوائر الأحوال الشخصية في مدينة الرياض في مبنى مستقل سيخفف العبء عن المحكمة العامة، وسيعمل على إنهاء الدعاوى في وقتٍ قياسي لكافة المتقدمين، وينجز الأعمال سريعا، ويساعد في تفرغ المحكمة العامة للنظر في القضايا الأخرى المتعلقة بالقضايا الحقوقية والجنائية.
التقنية والتسريـع
خطوة وزارة العدل جاءت عقب تقارير تلقتها مع المجلس الأعلى للقضاء وكشفت عن معاناة المرأة في مسيرة التقاضي، خاصة ما يتعلق بمواعيد الجلسات المتباعدة، وتعددها في ظل مماطلة الكثير من الأزواج، ولاسيما أن نحو 55 % من حجم القضايا في المحاكم أسرية لها ارتباط بالمرأة.
وتستقبل دائرة الأحوال الشخصية المخصصة في الرياض وفق تقرير صادر القضايا الأسرية، والخلافات الزوجية حاليا في حدود 100 إحالة يوميا، فيما ينتظر التحول لمحكمةٍ مستقلة قريبا.. ويؤكد الدكتور فهد المليكي أحد المهتمين بالقضايا الاجتماعية أن هناك جهدا واضحا في إنجاز القضايا من واقع التشريعات والانظمة التي يمكن العمل بها ويمكن القول بأن نحو 50 % من القضايا يتم إنجازها في ساعات وأيام بعد أن كانت تأخذ شهورا وسنوات مؤكدا أن التقنية المستخدمة كان لها أثـر إيجابي في تسريـع العمل والمراجعات لدى المحاكم.
ويرى عازب آل مسبل عضو مجلس الشورى أن الفترة الحالية شهدت تحركا إيجابيا في تقليص مدد القضايا نتيجة ماتحقق من منجز في المرافق القضائية بدءا من الدعم الذي لقيه المرفق القضائي من الدولة وتطويره وكذلك صدور الأنظمة القضائية العدلية ومنها أنظمة القضاء وديوان المظالم والمرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية وكذلك نظام التنفيذ حيث أدت إلى ترتيب الطرق القضائية والتقاضي إلى جانب زيادة عدد القضاة وهو ما جعل المدة تقل إلى قدر مناسب.
المعالجة قائمة
عضو الشورى يرى أن التخصص القضائي عامل أساسي في التسريـع حيث كان ينظر في جميع القضايا لكنه أصبح الان متخصصا وذلك ما ساعد على سرعة البت ، كما أن وجود محاكم الاستئناف في عدد كبير بالمناطق خفف طول انتظار تمييز الأحكام كما كان عليه في السابق إذ إن العديد من القضايا التي كانت تأخذ في السابق عاما وأكثر أصبح المتقاضي فيه يحصل على موعده في ظرف شهرين أو ثلاثـة أشهر وهو مقبول إلى حد ما. مؤكدا أن المعالجة قائمة في ظل التطوير والتحديث في العمل القضائي، وقد أنشئ عدد كبير من محاكم الاستئناف وهي بحاجة لعدد كبير من القضاة في المحاكم العامة والمتخصصة، وجاء قرار وزارة العدل باستقطاب نحو 500 قاضٍ مما كانوا يعملون بكتابة العدل في القضاء مساهما في حل إشكالية استطالة التقاضي..
ولايخفي عضو الشورى عازب آل مسبل أن وسائل التقنية التي زودت بها المحاكم وربط مركز الملك عبدالله لتطوير القضاء ساعد في تخفيف التقاضي والترافع وساهم بشكل كبير في التخفيف من الإجراءات.
التسريع لم يصل الدرجة الكاملة ولم يهبط إلى الصفر
كشفت تقارير تلقتها وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء عن معاناة المرأة في مسيرة التقاضي في مواعيد الجلسات المتباعدة، وتعددها في ظل مماطلة كثير من الأزواج، لاسيما أن نحو 55% من حجم القضايا في المحاكم أسرية لها ارتباط بالمرأة.
ويشير القاضي الدكتور عيسى الغيث إلى أن طول مدة القضاء في المجمل يعد أمرا طبيعيا يحدث في دول العالم، إما بالأسابيع أو بالشهور أو حتى بالسنوات، والأمور لم تصل بعد إلى نسبة نجاح مائة في المائة، لكنها ليست صفرا في المائة، وهناك نمو مطرد وعمل مستمر والقصور الموجود إرث سابق ولكن المسيرة تمضي إلى الطريق الصحيح. ويضيف أن المملكة في السنوات الخمس الماضية شهدت تطورا واضحا في تسريع الأداء عقب زيادة عدد القضاة وتنوع المحاكم. وفي المقابل هناك زيادة في النمو السكاني وعدد القضايا وعند المقارنة بين القضايا السابقة والحالية يلحظ المتابع الفارق الكبير، ومثال ذلك قضايا حقوقية أو جزائية أو أسرية أعيد ترتيب جلساتها بصورة أفضل مما كان في السابق.
والواقع أن المحاكم التي كانت تشهد ازدحاما وطولا في مدد الجلسات بدأت في التناقص بشكل كبير والمتابع يعرف أنه في السابق لم يكن هناك غير محكمتين للتمييز والآن لدينا 13 محكمة تمييز، ما يؤكد التوسع الكبير في حقل العدل.
وأضاف: أهم القضايا التي تتطلب التسريع قضايا الأحوال الشخصية، لأنها تتعلق بالمرأة والطفل، والوزارة اهتمت بهذا الجانب، وكانت المرأة في السابق تراجع المحكمة العامة في قضايا الطلاق والزواج والنفقة، والآن تراجع محكمة مختصة بالأحوال الشخصية.
المتحدث في مجلس القضاء: نقص عدد القضاة غير صحيح
أكد المتحدث باسم المجلس الأعلى للقضاء الأعلى سلمان النشوان، أنه لا صحة لما يتردد من نقص أعداد القضاة، مبينا أن أعدادهم في الوقت الحالي كافية وإن كان الجهاز يسعى للمزيد من القضاة لمواجهة تزايد أعداد القضايا مقارنة بالنمو الطبيعي، مؤكدا أن أعدادهم الحالية كافية، ما نتج عنه تقليص مواعيد الجلسات القضائية في المحاكم في العموم من أشهر لأسابيع، فقد كانت في السابق تمتد إلى ستة أشهر وأحيانا مع بالغ الأسف تزيد عن العام الكامل فتم تقليص المواعيد إلى أقل من شهر، بل إن قضايا الأسرة تنهى إما في جلسة واحدة أو أسبوع على الأكثر، إلا ما يتطلب النظر القضائي لاعتبارات شرعية.
اعتراف «عدلي» بهامش التأخير ومقترح بتوسيع «المحاكمات عن بعد»
تناول المتحدث الرسمي في وزارة العدل فهد البكران رؤية الوزارة واعترفا بوجود هامش من التأخير لكنه يأتي في سياقه الطبيعي والمقبول كما يحدث في كافة دول العالم، لذلك حرصت الوزارة على التأكيد باستمرار تفعيل البدائل الشرعية لتسوية المنازعات، مثل المصالحة والتحكيم، وهي أساليب مشروعة في ديننا الحنيف غير أنّ هذه الأساليب لا بد أن تأخذ وضعها المؤسسي في المنظومة العصرية، وبالرغم من صدور نظام التحكيم من سنين طويلة إلا أن ثقافة التحكيم متدنية ولا بد من مركز تحكيم أو غرفة تحكيم سعودية، وهو ما تم مؤخرا حيث تم إنفاذ قرار مجلس الوزراء القاضي بإنشاء المركز السعودي للتحكيم التجاري ليعمل تحت مظلة مجلس الغرف وتكليف المجلس بتشكيل مجلس إدارة وقد أعلن مجلس الغرف السعودية رسمياً عن تشكيل المجلس بعد التنسيق مع و زير العدل وزير التجارة.
يضيف المتحدث الرسمي أن وزارة العدل اتخذت عدة تدابير لتقليص المواعيد منها إنشاء مركز المصالحة وأصدرت الوزارة قراراً يقضي بإنشاء المركز وتعيين أمين عام، ونص القرار على أن يرتبط مركز المصالحة بوكالة الوزارة لشؤون التحكيم والمصالحة، وأنشأت وزارة العدل مكتبا للمصالحة في المحكمة العامة بالرياض ومكة المكرمة والدمام وبريدة ومحكمة الأحوال الشخصية في جدة. ومن التدابير كذلك إنشاء المحاكم المتخصصة ومن الحلول كذلك إنشاء المحاكمة عن بعد. ويوضح المتحدث الرسمي فهد البكران فوائد هذه المحكمة في اختصار المدة ومراعاة حالات بعض السجناء لاعتبارات تتعلق بهم في غالب الأحوال.
ومن خلال هذه التقنية سيتم القضاء على التأخير وستحصل المحاكم على وفر يقدر بـ 40 %، وهو كبير للغاية بالنسبة والتناسب. ومن المعالجات أيضا التدريب وتأهيل القضاة عبر البرامج والدورات العلمية والورش لمنحهم المزيد من الفهم والإدراك والتجربة التي تعينهم على النظر في القضايا المعروضة بأيسر جهد وأقصر وقت. ويختم المتحدث أن القضاء يصعب عليه أن يتصدى لكافة النزاعات وإن كان قادراً موضوعاً على ذلك، لكن مع الكثرة المطردة لا يمكن تقديم عدالة ناجزة وفق مراد المترافعين، فلا بد من هامش طبيعي من التأخير، ونحن حسب استطلاعاتنا في جملة الدول الأسرع في إنجاز القضايا بالرغم مما يذكره البعض من التأخير.