-A +A
احمد عائل فقيهي
هناك حالة التباس حول مفهوم الوطنية وماذا يعني الانتماء للوطن، ذلك أن ثمة خلطا عجيبا حول معنى الوطن. ودائما هناك من يرى أن الوطن هو مجرد مجموعة من المنافع والمصالح الشخصية لا تتحقق إلا من خلال الوصولية وبلوغ الغايات وجعل التحدث عن الوطنية والانتماء للوطن عبارة عن حجاب لبلوغ تلك الغايات والوصول إلى الأهداف الشخصية، لا الأهداف الوطنية المرتبطة بالواقع الاجتماعي.
ثمة فرق بين الانتماء لحالة ظرفية آنية مرتبطة بالمصلحة، وانتماء يذهب عميقا في الجذور والاتكاء على التاريخ والانحياز للبسطاء وتعزيز تلك القيمة التي تعطي للوطن دلالات ومعاني سامية وعليا.

دائما ما نسمع بعض من يعتقدون واهمين بحبهم للوطن من خلال الحديث الدائم والفائض عن الوطنية وشعورهم الدائم بأنهم الوطنيون الحقيقيون، وهم دائمو التشكيك في وطنية وانتماء الآخرين، وكأنهم يحتكرون وحدهم محبة الوطن، وأنهم الوحيدون الذين ينتمون إلى هذا الوطن، في حين الوطن هو وطن الجميع، وطن الكبير والصغير، وطن العامل والجندي والطبيب والمزارع والمعلم، وطن المثقف والشاعر والفنان والعالم والداعية، وطن رجل الدين ورجل الدنيا معا، بل ووطن المقيم أيضا.
وطن الذين يكدحون ويعرقون ويصنعون المستحيل من أجل إعلاء شأن الوطن عبر القيمة المضافة إلى معنى الوطنية، وهو الإنتاج والعمل والإخلاص، ذلك أن الانتماء للوطن ليس مجرد مباهاة و«زي» فقط وثرثرة مكاتب ومجالس وكتابات مبتذلة تأتي كناتج وطنية مبتذلة. ذلك أن الحديث الزائد والزائف هو نقص في الوطنية.
وما أكثر الكلام عن الوطن، ولكن ما أقل الممارسة الوطنية، وما أكثر من يقول بالانتماء للوطن على مسوى اللفظ فقط، في حين هناك مسافة هائلة وآلاف السنوات الضوئية تفصله عن عشق الوطن الحقيقي، لا مجرد مزايدات شخصية وتخوين والقفز على معطيات الواقع وثنائية التاريخ والجغرافيا.
إن الوطن أكبر وأوسع من أبجدية اللغة، إنه حديث القلب وضوء العقل، وإبداع يتحقق من عبقرية الفرد داخل الوطن، هو عبق الأرض وشموخ الجبال واخضرار الحقول، إنه علم وفكر ومعرفة وانتماء حقيقي ممهور بالوعي بقيمة الإنسان الذي ينتمي إلى هذه الأرض.
هناك أشخاص تحول الوطن عندهم ولديهم إلى مزايدة على الآخرين، وكأن الوطن لهم وحدهم، وهؤلاء منتشرون في كل زمان ومكان يثرثرون في التكايا والزوايا يصنعون من أنفسهم حراس الوطنية، في حين أنهم يحرسون الوهم ويصنعون وطنا في المخيلة فقط لا وطن الواقع، في حين أن الوطن هو حياة تشتعل في العقل والوجدان فكرا وإبداعا وعملا خلاقا يخرج من العقل الشجاع والروح الجسورة والحلم الوثاب والمحلق نحو العلا والشموخ.
إن الوطنية تتجلى في الدفاع الحقيقي عن الإنسان فيه، وجعل قضية المواطن وكرامته هي محور هذه الوطنية، والمواطن الإنسان هو معنى مرادف وملازم لمعنى الوطنية، ذلك أن الوطن يعيش اليوم تحديات وتحولات ضخمة ومفصلية لا تحتاج إلى مزايدات وأصوات تمثل عجز أصحابها الناعقين هنا وهناك، حيث تحيط بنا دوائر الخطر وألسنة النار، وهو ما يستدعي من الجميع الارتقاء والارتفاع إلى مستوى هذه التحديات والتحولات.
الوطن يحتاج إلى حماة حقيقيين يدافعون عن الأرض والتاريخ والإنسان، لا إلى محامين عن الباطل وبعيدين عن الحق والحقيقة.