تحتل «الطاقة» في عالمنا مكانا أساسيا في قائمة احتياجات الإنسان الأساسية اليومية. وقد أدى توسع الاقتصاد العالمي المضطرد إلى: تزايد استهلاك الطاقة، وتصاعد الحاجة إلى مصادرها، بكل أنواعها، القديم والحديث، والمتوقع. ومعروف أن ازدياد كميات الطاقة (بكل مصادرها) لا يواكب الزيادة الهائلة في النمو الاقتصادي العالمي المتسارع. لهذا، يجد العالم نفسه اليوم في مواجهة أزمة طاقة متوقعة... تلوح في الأفق، وتخيم ظلالها في الدول المستهلكة بخاصة. إن مصادر الطاقة التقليدية الاحفورية (النفط، الفحم، وغيره) هي مصادر ناضبة، والمكتشف منها كان (وما يزال) لا يفى بالاحتياجات المتصاعدة للعالم من الطاقة. هذا مما يجعل الطاقة النووية (وغيرها من مصادر الطاقة غير الاحفورية) أمل المستقبل... والملاذ الواقي من أزمة طاقة... قد تتسبب في إعاقة المسيرة الحضارية البشرية، أو انهيارها. ولعل ابرز مازال يعيق انتشار استخدام الطاقة النووية على نطاق عالمي أوسع، هو: حاجتها إلى تقنية عالية، وعمالة ماهرة، والارتباط (الوثيق) بين منشآت الطاقة النووية السلمية ومشاريع بناء أسلحة نووية، وخطورة حوادث المنشآت والمفاعلات النووية. ولكن العالم بدأ، منذ سنوات، يعمل – بكثير من الجدية – للتغلب على هذه المخاطر، والتخفيف من حدتها. ونتج عن ذلك أن أضحت التقنية النووية أيسر منالا، وفى متناول الدول المصممة على اكتسابها. وتم الحد – بدرجة كبيرة – من انتشار التسلح النووي، واستغلال المنشآت النووية السلمية للأغراض العسكرية، عبر: اتفاقيات وإجراءات معروفة، في مقدمتها: «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» (NPT) وقيام «وكالة الطاقة الذرية الدولية» (IAEA) بإنفاذ هذه الاتفاقية، وبقية اتفاقيات حظر التسلح النووي. وفى ذات الوقت: دعم استغلال الطاقة النووية للاغراض السلمية. كما تم استحداث وسائل عدة... لضمان سلامة المنشآت النووية، والحيلولة دون وقوع حوادث كارثية فيها... قد تتسبب في الإضرار الجسيم بالإنسان والبيئة. وهذه العوامل أدت (مجتمعة) إلى: تزايد الاستخدام السلمي للطاقة النووية، في شتى دول العالم، ومنها بعض الدول النامية. صحيح، أن اكتشاف واستغلال القوة النووية (الذي تعاظم ابتداء من النصف الأول من القرن العشرين الماضي) كرس للأغراض الحربية. ولكن، وبعد ذلك بوقت قصير، سرعان ما اكتشف العلماء طرقا وأساليب لاستعمال القوة النووية للأغراض السلمية... وفى مقدمتها: توليد الطاقة بكميات هائلة... ومن اجل التنمية والبناء، وليس للتخريب والتدمير. ويمتد الاستخدام السلمي للقوة النووية من توليد الطاقة (الكهرباء) وتحلية المياه، إلى الاستفادة منها في المشاريع الصناعية والزراعية والإنشائية الكبرى، وبعض الأغراض الطبية، مرورا بتسيير الغواصات والسفن الضخمة، وإجراء الأبحاث العلمية في شتى مجالات العلوم الطبيعية. وقد قامت غالبية دول العالم، إدراكا منها لأهمية وفائدة القوة النووية، بإنشاء «وكالات» حكومية مستقلة، ترتبط برئيس الدولة أو رئيس الوزراء، لتسهم في تطوير وتنمية القوة النووية، وتنظيم استخدامها السلمي، والإشراف على استغلالها للأغراض غير العسكرية. وبصفة عامة، فان أهم «وظائف» الوكالة الوطنية للطاقة النووية –في أي بلد– هي: تقديم المشورة اللازمة للحكومة، لاتخاذ السياسات المناسبة في مجال الطاقة النووية، الإشراف على تنفيذ السياسات والخطط النووية السلمية للدولة، الإشراف على تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالطاقة النووية، والتي تكون الدولة طرف فيها، دعم وتنمية الاستخدامات السلمية للقوة النووية، تمثيل الدولة في علاقاتها وتعاملاتها مع المعاهد والمنظمات الدولية المتخصصة في المجالات النووية. أما استخدام الإمكانات النووية للأغراض العسكرية (صنع أسلحة نووية) فانه يوكل - عادة - إلى هيئات سرية خاصة. وكثيرا ما ترتبط هذه الهيئة السرية بوزارات الدفاع، وبرئيس الدولة، أو رئيس وزرائها... في البلاد التي تعمل على امتلاك سلاح نووي. ولا علاقة للهيئات الوطنية للطاقة النووية بالاستخدامات الحربية لهذه الطاقة. وبرامج الاستخدامات العسكرية تنشأ بمعزل عن الأنظار، وبعيدا عن الأعين. أما هيئات الطاقة النووية الوطنية فتمارس نشاطها في العلن... لمشروعية وسلمية أعمالها. لقد قامت معظم الدول العربية بإنشاء «وكالات» (هيئات) للطاقة النووية، الغرض منها: العمل على استغلال القوة النووية للأغراض التنموية السلمية. وذلك دليل على الاهتمام العربي والعالمي المتزايد بالطاقة النووية السلمية. حيث أصبح إنشاء هذه الوكالات أمرا ضروريا (يتجاوز الترف العلمي والتقني)... إضافة إلى كونه مؤشرا على تقدم الأمم، واهتمامها بأحدث التطورات في مجالات العلم والتقنية، وبخاصة تقنية الطاقة. فالدول الحديثة والناهضة تبذل أقصى ما تستطيع للاستفادة من التطبيقات السلمية للطاقة النووية. ولتحقيق اكبر فائدة ممكنة، من هذه الطاقة، لابد من إنشاء هيئات نووية وطنية... تعمل على تنظيم ودعم هذه الفائدة الحيوية. والمملكة كانت من أوائل التي وقعت وصادقت على «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية»... وأغلب «البروتوكولات» المرتبطة بها... وهى الدولة المعروفة بمحبتها للسلام، وحرصها على استتباب الأمن والسلم الدوليين. وتلك المعاهدة تكفل لمن يوقعها حق استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وتحت إشراف «وكالة الطاقة الذرية الدولية» التي إنما أقيمت لدعم هذا الحق... والذي لايمكن التمتع به – بشكل منهجي – دون إنشاء هيئة وطنية للطاقة النووية. وقد كانت هناك رغبات لتأسيس مثل هذه الهيئة، وعدم تركز النشاط البحثي النووي في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية فقط. غير أن ذلك الموضوع أرجئ لأسباب فنية وتقنية – كما يبدو. و إن إقامة هذه الوكالة ربما تقتضيها الآن المصلحة العامة السعودية، والتوجه الخليجي العربي الراهن لإيجاد برنامج نووي مشترك للأغراض السلمية، وطبقا للمعايير والأنظمة الدولية... وهو الأمر الذي صدر به قرار من قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة، السابعة والعشرين، التي عقدت في مدينة الرياض، في شهر ديسمبر 2006م... ذلك القرار الذي أكد - في ذات الوقت - على دعوة دول مجلس التعاون الخليجي (المتكررة) لجعل منطقة الشرق الأوسط برمتها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وفى مقدمتها السلاح النووي.
والخلاصة، يبدو انه قد آن الأوان لأن تؤسس المملكة هذه الهيئة... لتتمكن هذه البلاد من الاستفادة المنهجية والسليمة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتمارس حقا مشروعا من حقوقها، التي تكفلها لها القوانين الدولية.
والخلاصة، يبدو انه قد آن الأوان لأن تؤسس المملكة هذه الهيئة... لتتمكن هذه البلاد من الاستفادة المنهجية والسليمة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتمارس حقا مشروعا من حقوقها، التي تكفلها لها القوانين الدولية.