-A +A
عبدالله صادق دحلان
إن من أهم مقومات نجاح تنفيذ مشاريع التنمية في المملكة العربية السعودية على المستويين العام والأهلي، هو توفر العمالة الوطنية المؤهلة من خريجي الجامعات والمعاهد والكليات الفنية المتخصصة، حسب احتياجات القطاعات الإنتاجية المختلفة، والتي على رأسها التخصصات المرتبطة بالصناعات التحويلية والصناعات الهندسية وقطاع الأعمال (إدارة الأعمال) والطب والفيزياء ونظم المعلومات والتخصصات الإلكترونية. ويعتبر قطاع الهندسة والصناعات الهندسية من أكثر القطاعات التي شهدت تطورا كبيرا في أعداد الخريجين، حيث وصلت نسبة الخريجين في هذا القطاع عام 2008 3.8% من إجمالي خريجي الجامعات، ثم ارتفعت النسبة إلى 16.7% في عام 2011، أي أن معدل الزيادة في أعداد خريجي قطاع الهندسة والصناعات الهندسية كان الأكبر بين مختلف القطاعات، رغم انخفاض نسبة الإناث في هذا القطاع، حيث لم تتخط نسبة الإناث 4.5%، وما زالت قطاعات الأعمال تنمو بنسب متدرجة، وقطاع التعليم الصحي ينمو بتدرج بطيء رغم الاحتياج الكبير له، ثم تأتي التخصصات الأدبية أو النظرية على قائمة التخصصات في الجامعات الحكومية التي يوجد بها الأعداد الأكبر من طلبة الجامعات، ورغم جميع الجهود التي بذلت لتخفيض النسب في هذه التخصصات ومحاولة رفع نسب التخصصات العلمية، إلا أنه يصعب حجب أو منع رغبات الطلبة في التخصصات النظرية في حالة توفر الشروط والمتطلبات الجامعية، وهو عبء سوف يكون على قوى العمل وعلى الجهات المعنية في إعادة تأهيلها لسوق العمل. وسوف تستمر هذه القضية، وسوف يستمر العجز في بعض التخصصات العلمية؛ على وجه الخصوص الطب والهندسة بأنواعها، وهذا ما يدفعني اليوم للمطالبة بتخصيص نسب أعلى في البعثات الخارجية للتخصصات الهندسية والصحية بأنواعها لسد العجز المتراكم والمتزايد سنويا. مشيدا بجهود وتوجه وزارة التعليم العالي في هذا المجال، حيث تشير التقارير الإحصائية إلى أن نسب التخصصات العلمية في الابتعاث الخارجي استطاعت أن تتقدم على نسبة الطلبة في التخصصات العلمية في الجامعات الحكومية، وبمقارنة نسب الطلاب الخريجين من التخصصات العلمية في الداخل والخارج، فيتضح أن كفة الميزان تميل إلى الطلاب المبتعثين، وعلى سبيل المثال تصل نسبة خريجي التعليم الجامعي في تخصص المعلوماتية في المملكة 6.2%، وتبلغ النسبة لدى المبتعثين 11.4%، وفي مجال الهندسة والصناعات التحويلية، فإن نسبة المبتعثين كانت 12%، وفي الجامعات السعودية لم تتخط 2%. وفي قطاع الصحة، وصلت نسبة الطلبة في الجامعات السعودية نسبة 9.7%، في حين وصلت النسبة في المبتعثين إلى 16.6%.
هذه مقارنة بسيطة تؤكد جدوى قصر الابتعاث الخارجي على تخصصات علمية فقط تسهم في تغطية العجز في هذا المجال، والتخصص في الابتعاث هو خيار الدولة حسب احتياج سوق العمل، ولكن التخصص في الجامعات السعودية حسب رغبات الطلبة وبصرف النظر عن حاجة سوق العمل. وهذا ما يدفعني للتأكيد على أهمية استمرار برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي وقصره على التخصصات العلمية والدراسات العليا.

إن الابتعاث الخارجي من أكبر وأهم الإنجازات في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ــ وله بعد اقتصادي واجتماعي وثقافي، متمينا أن يستمر هذا البرنامج لأنه النافذة الثقافية لأبناء وطننا والرافد العلمي الحديث والمتطور في مجال التعليم.