-A +A
حمود أبو طالب
في سبيل انتهاء المشاريع في مدينة كبيرة مثل جدة، لاسيما بعد الانتظار الطويل والصبر الجميل، لا بد أن يتحمل الناس شيئا من الضيق الذي تسببه الزحمة والاختناقات. هكذا يقول لهم المسؤولون، وهكذا يعزون أنفسهم دون حاجة لأن يقول لهم أحد. ولكن يبدو أن الأمور أصبحت مؤخرا أكبر من الاحتمال وأشد من قدرة الناس على التكيف معها.
جدة أصبحت شبه مشلولة في معظم أوقات اليوم والجميع يتفرجون عليها دون محاولة لتنشيط أعصابها وتحريك دورتها الدموية المتوقفة في عروقها المتصلبة، توقفت عن التنفس وتسببت في اختناق سكانها وارتفاع ضغطهم وانهيار أعصابهم، ولولا ستر الله لحدثت كوارث في شوارعها. كان الناس قادرين على الصبر لأن لديهم أملا أن ينتهي كل مشروع في موعده. كانت اللوحات الزمنية ترتفع فوق كل مشروع لتحدد المدة الباقية على انتهائه، فجأة اختفت تلك اللوحات وبدأ التثاؤب يرتسم بوضوح على ملامح المشاريع، ثم أصبح شخيرها مسموعا للجميع بحيث تمر عدة أشهر دون ملاحظة أي جديد فيها، هكذا وعلى مرأى الجميع ودون أي تفسير أو حتى اعتذار للمجتمع.

وأسوأ ما تعيشه جدة الآن بسبب هذه المشاريع المشلولة الاختناق المروري الذي يجعل القيادة في شوارعها عذابا لا يمكن احتماله. قيادة السيارات لدينا حتى في أفضل الظروف فوضى عارمة، وفي أوضاع كالتي تعيشها جدة تصبح ضربا من الجنون القاتل. السيارات الصغيرة والشاحنات والصهاريج والمقطورات والقلابات تركب بعضها البعض وتصدم بعضها البعض وتزحف ببطء يتلف الأعصاب في كل الشوارع. سيارات الليموزين تضيف للمشهد بعدا جنونيا آخر عندما تجد فرصة للتحرك في الزحمة. وفي هذا المشهد العجيب نلتفت في كل الاتجاهات بحثا عمن ينظم هذه الفوضى فلا نجد أحدا. جهاز المرور شبه غائب حتى في أوقات الذروة، وإذا حضر يتمثل الحضور في وقوف سيارة في أحد المخارج ولا شيء أكثر من ذلك، لا يوجد أفراد ينظمون الحركة في الميدان ويضبطون المتسببين في تعقيد الزحام. الحقيقة أننا لم نعد نعرف متى ستنتهي مشاريع جدة، وطالما الحال هكذا لماذا لا يتم إعطاء سكان جدة إجازة مفتوحة يلزمون فيها منازلهم، أو يتم تهجيرهم مؤقتا إلى أي مكان حتى يأتي الفرج من عند الله وتنتهي المشاريع.