-A +A
محمد السديري
تطالعنا الصحف والأخبار، بشكل دائم، بأخبار مفزعة ومؤلمة تعتصر لها القلوب عن حوادث مستمرة تقع على الطرق تكون بها نهاية حياة معلمات أو تسبب إعاقتهن عن أداء عملهن بكفاءة ويسر. إن هذه الحوادث تقع، وبشكل مستمر، خصوصا للمعلمات اللاتي اضطررن إلى التدريس في مدن وقرى وهجر بعيدة عن مساكنهم ومساكن عوائلهم، وأنا وغيري يقدرون كل التقدير هذه التضحية التي تقدمها هؤلاء المعلمات للذهاب لتلك المناطق لتقديم رسالة سامية ولبناء جيل الوطن. هذه المشكلة نجد أن المملكة مترامية الأطراف، وأن الدولة ــ رعاها الله ــ تقدم التعليم في كل مكان يوجد فيه تجمع سكاني، وتقوم وزارة التربية والتعليم بتعيين مدرسين ومدرسات لشغل هذه الوظائف المتوفرة في تلك الأماكن، ولكن يستحيل إيجاد من يقوم بشغل هذه الوظائف من سكان تلك المناطق، وبالتالي يتم التعيين من مناطق أخرى، ولا يخفانا جميعا أن هناك عوائق اجتماعية وثقافية تعيق بالذات المعلمات من السكن قريبا من مقر عملهن، ما يضطرهن إلى التردد اليومي الشاق، مستعينات بوسائل نقل تنقلهن، إما بواسطة ذويهن، أو من خلال وسائل نقل جماعية، والمعلمة ــ بصراحة ــ تعمل لأنها بحاجة للوظيفة أولا، وثانيا لإيمانها برسالة التعليم السامية. وهنا يجب أن نقول كلمة حق وشكر وتقدير للاتي يقطعن ذهابا وعودة مئات الكيلو مترات ليقدمن التعليم لهذه الأماكن البعيدة عن مقر سكنهن. وكذلك نقدم شكرا خاصا لصبرهن ومعاناتهن اليومية.
إلا أننا نلحظ، وبشكل أصبح ــ للأسف ــ خبرا يوميا، حوادث مميتة ومفجعة تعتصر قلوبنا معها، وتجعلنا نتساءل: لماذا يحدث هذا وما هي الأسباب التي تجعل حوادث المعلمات في ازدياد؟

وفي اعتقادي أن هناك أمرا مسلما فيه، وهو أن لدينا مشكلة في السير وحوادثه، وأن هناك أسبابا مختلفة لوقوع الحوادث، ولكن ما يهمني هنا أن لدينا عددا كبيرا جدا من المعلمات يعملن في مناطق بعيدة عن سكنهن، وهؤلاء بحاجة إلى وسيلة نقل آمنة تنقلهن وتعيدهن إلى مقرهن سالمات من أي مكروه. والوسيلة الآمنة هي سيارة مخصصة لنقل المعلمات، وحافلات النقل البشري تلك لها مواصفات مهمة، منها حداثة سنة التصنيع ومتانة السيارة وتوفر مقاعد للركاب توفر أحزمة أمان في كل مقعد، ووجود صيانة دورية مستمرة على عجلات القيادة وعلى السيارة، وكذلك والأهم وجود سائق ماهر خبير بأصول وآداب القيادة ويعرف قواعد السلامة وإجراءاتها ملتزما بها عملا وتطبيقا.
ما ذكرته نعتبره قائمة استرشادية لوسائل النقل الآمنة، دعونا ننظر وبموضوعية إلى وسائل نقل المعلمات القائمة الآن، هل يوجد فيها ما ذكرته أم لا؟ هل هي منظمة بالشكل الصحيح ووفق قواعد السلامة وإجراءاتها أم لا؟
قبل أن أكتب هذا المقال اطلعت على بعض السيارات المخصصة لنقلهن، وجدت عددا من السيارات غير مطابقة للمواصفات. فبعض السيارات التي وجدتها عبارة عن أحواض ليس بها مقاعد، ناهيك عن أنظمة الأمان، البعض منهم لديه تصاريح من وزارة النقل، البعض منهم غير نظامي ودخلاء على السوق، شخص يسترزق سعودي أو أجنبي اشترى سيارة مستعملة من الحراج وحولها إلى تابوت لنقل المعلمات، بعضهم يحصل على ترخيص لعدد من السيارات، وتجد أن العدد الفعلي له أضعاف مضاعفة لهذا الترخيص.
إذا، يتضح لي أن هنالك نظاما ما هو هذا النظام؟ ربما لا أعلمه؟ وأن هناك جهة رسمية هي وزارة النقل لإصدار هذه التصاريح. لكن مشكلتنا ليست في النظام، ولكن في متابعة ومراقبة الأنظمة ومتابعة إجراءاتها وتطبيقها، فلو سألنا وزارة النقل عن عدد السيارات أو الحافلات المصرح لها لنقل المعلمات، لأعطتنا رقما، وأجزم لكم بأنه ليس الرقم الحقيقي والفعلي الموجود بالسوق.
وجود خلل بهذا الشكل هو ما جعل أنظمتنا غير مفعلة، لم أسمع قط عن حملات مفاجئة لتلك الناقلات، وأتمنى أن تقوم وزارة النقل غدا أو بعد غد بحملة تفتيشية للتأكد مما أقول، لتذهب عند الجامعات والمدارس وتشاهد السيارات التي تنقل المعلمات هل هي صالحة للنقل البشري أم لا؟
التنظيم ليس مشكلتنا، فنحن لدينا قوة في التنظيم، ولكن لدينا مشكلة في التطبيق، لدينا مشكلة في المتابعة المستمرة.
وللخروج من هذه الكارثة، أتمنى ألا يصرح لأي شركة لنقل المعلمات أو الطالبات إلا بمواصفات عالمية محددة لا يمكن لنا ابتداعها أو تجاوزها، وهي موجودة ومتوفرة، ثم لا بد أن يكون لوزارة التربية والتعليم ووزارة النقل وإدارة المرور دور فعال في التأكد من توفر تلك المعايير وبشكل مستمر في تلك الحافلات.
حينما يصرح لشخص بـ30 حافلة، فإنه يضخ في السوق أكثر من هذا العدد، فربما يصل العدد إلى 60 أو 120، وهذا هو الخلل؛ لأنه ربما يكون 30 مطابقة للأنظمة، والأخرى غير مطابقة، وهو ما تنتج عنه تلك الحوادث. فوسيلة النقل لا بد أن تراقب بشكل دوري أسبوعي أو شهري، ولا بد من الاتفاق مع الورش لفحص هذه السيارات وبشكل دوري، وأن تكون الورشة مسؤولة عن أي تجاوز وتتحمل كل التبعات الناتجة عن التجاوز إذا منحت ختم السلامة على السيارة أو الحافلة. ثانيا لا بد من ترقيم الحافلات ووضعها بطريقة يعلم رجال المرور وأمن الطرق أن هذه الحافلة ــ تحديدا ــ مصرح لها نظاميا وليس تصريحا مزورا، وأن السائق يعمل بالشركة الناقلة، وأنها اجتازت إجراءات السلامة الدورية وفق دفتر السلامة المصاحب للمركبة، وهذا الجزء ــ تحديدا ــ بنظري ــ أنا مفقود. ودمتم سالمين.