-A +A
شايع بن هذال الوقيان
كم من الأشياء الجميلة التي أفسدها الناظرون إليها. يقول الشاعر المهجري إيليا أبو ماضي: كن جميلا تر الوجود جميلا. ويقول المتنبي: ومن يك ذا فم مر مريض.. يجد مرا به الماء الزلالا. والمراد من هذه الأبيات أن الأشياء من حيث جمالها أو قبحها مرتبطة ليس فقط بما فيها من خصال بل بالناس المتعلقين بهذه الأشياء. فالمرء الذي لا يملك حسا فنيا جميلا لن يرى الجمال في أي نص أدبي أو لوحة فنية. وبعبارة أخرى.. إذا كان المرء فاسد الذوق أو متشائما أو كئيبا فإن فساد ذوقه وكآبته وتشاؤمه سيؤثر على كل ما حوله من أشياء وأشخاص.
ما سبق من حديثي له تشعيبات وتفصيلات في علوم النقد الفني وفلسفات الجمال وهو يسمى بمشكلة الذاتية والموضوعية في الفنون والجماليات عموما. وجزء منه وأقصد أثر النفس في الأشياء ( وليس العكس) هو موضوع لعلم النفس بكافة مدارسه ولكن الفلاسفة أيضا أسرفوا في تناول هذا الموضوع تحت العنوان المذكور أعلاه (الذاتية والموضوعية). ولكن مقالي اليوم لن يتكلم عن الفن والجمال بل عن المجتمع والثقافة وأثر الناس في ما يحيط بهم من أشياء وأفكار. فهل الثقافة ككل لها ذائقة أو (نفس) كما هو الحال مع الأفراد؟ سأقول ولو مجازا: نعم. لنتعامل الآن مع الثقافة السعودية والعربية وكأنها امرأة أو رجل له ذائقة وله «نفسية» وهذه النفسية لها أثرها في تناوله لكل شيء بدءا من الدين وانتهاء بالتقنية.

كيف هي نفسية ومزاج (الثقافة) العربية؟ سأقول واثقا إنها سيئة ومتدهورة.. والمزاج سوداوي والعقل مشتت والبدن عليل. لا يخفى على كل واحد أن البلدان العربية تعاني مشاكل لا حصر لها كالفقر والمرض والإرهاب والاستبداد والثقافة الفحولية.. وهذه المشاكل تجعل كل ما يدخل في إطار الثقافة متأثرا بها؛ أي مضطربا مأزوما. لذا فالدين مثلا لن يكون مفهوما بشكله الصحيح في إطار هذه الثقافة.. وكذلك الفن والسياسة والفكر والصحافة. كل شيء مفيد أو جميل يدخل إلى ثقافتنا العربية يتحول إلى شيء مضر وبشع. انظر مثلا للتقنية وكم تم استغلالها بأبشع الصور في نشر الإرهاب والقصص الخرافية التي تعطب العقل وتدمر الهمة. فبدلا من أن تكون التقنية مساعدا لنا في النهوض صارت عاملا في التدهور والانحطاط ونشر الفكر المتشدد.
ما أود التشديد عليه هنا هو أن كل الأشياء الجميلة لم تعد كذلك لأن مزاجنا الثقافي عصبي ومتوتر ويؤزم كل شيء.. والحل (الحضاري) برأيي هو أن نراجع ليس الأشياء بل أنفسنا .. ليس الظواهر الجميلة كالدين والفن والتقنية وغيرها بل طريقة تعاطينا لها لكي نتخلص من فهمنا السوداوي الكئيب الذي يكتنف حياتنا. لن أسرف في التبكيت على (مزاجنا) فهو في النهاية نتيجة لظروف تاريخية عصيبة وكوارث حلت به من داخل الثقافة ومن خارجها. لكن النوح على ما مضى لن ينفع.. وما ينفع هو إجراء نقد هائل وشامل لكل الأشياء المحيطة بناء ليس لتغييرها أو تطويرها بل لتحريرها من أفهامنا الملتبسة. فالمرء الذي يجرؤ على تأييد عمل إرهابي - مثلا- لن يكون قادرا على تذوق الفن أو فهم الغاية القصوى للسماء.