-A +A
• نصير المغامسي (جدة)
منطقة الخمرة في جنوب مدينة جدة معاناة لا تنتهي وكأن قدر المواطنين ان يعيشوا الخوف والقلق ويتعايشوا مع سوء البيئة وترديها مع كل ريح محملة بأدخنة الحرائق التي يوقدها المخالفون في اكوام القاذورات بحثا عن النحاس والمعادن واشياء اخرى.
لا يزال اهالي الخمرة يطرقون ابواب المسؤولين بحثا عن حلول لاشكالاتهم المتراكمة، المتمثلة في الافتقاد لكثير من الخدمات الاساسية وفي مقدمتها الخدمات الامنية ثم يأتي بعد ذلك حديثهم عن احتياجاتهم للانارة والسفلتة.

مشهد المخالفين للأنظمة وهم يجوبون الخمرة ويوقدون النار في المخلفات قرب بيوتهم يثير فزع المواطنين لاسيما اذا ما كان تحت جنح الظلام حيث لا انارة في كثير من اجزاء المنطقة.
فهناك حركة غير اعتيادية لشاحنات محملة بأطنان من النفايات تدلف وسط احواش واسوار مسيجة مغلقة وتبين انها ورش للجمع والتصنيع في آن واحد. حيث يقوم العاملون المخالفون للانظمة بفرز ما يمكن بيعه من عبوات معدنية وبلاستيكية واخرى يعاد تصنيعها كغرف النوم والمجالس عربية.. كل ذلك يحدث في العراء اما مسمع ومرأى الجميع.


لا عنوان ولا تصريح
يقول عامل في تلك الاحواش انه ورفاقه ألفوا العمل بهذه الطريق المربحة فأطنان النفايات يتم شراؤها من النابشين والجامعين لها اما بالوزن او بالاتفاق على الكمية والسعر ومن ثم يتم فرزها ليتم بيع العبوات المعدنية والبلاستيكية للمصانع المنتجة للعبوات المعدنية والبلاستيكية.
ويضيف قائلا: احرص على شراء النفايات التي تحوي كميات كبيرة من العبوات والاثاث القديم حيث نقوم بإعادة تركيبه وتصنيعه وتنجيده من جديد فيبدو وكأنه مصنع محليا، ومن ثم يتم تسويقه.
خالد ابو ريان من سكان المنطقة يتحدث عن احواش تجميع الاثاث ويقول انه النشاط الاكثر وفرة بالخمرة وبقية احياء جنوب جدة علما بأن عمل الاحواش غير نظامي حتى وان استمر لفترة طويلة كما هي حال بعضها حيث ازدهر نشاطها التجاري دون رقيب او حسيب، «لوكان نشاطهم نظاميا لما كان خارج نطاق العمران وسط الاحواش المقفلة والمواقع كما ترون التي لا تحمل عنوانا او أي تصريح بمزاولة هذه المهنة الغريبة».

غرف نوم مريبة
أبو ريان يقول إن نشاط تلك الاحواش خاصة في ما يتعلق بإعادة صناعة الوسائد وغرف النوم والمجالس يثير الريبة ويجعل من الصعب شراء تلك المنتجات ما لم يتم التأكد أنها ليست مواد مستخدمة في الاصل. ويمضي إلى الرأي ذاته عبدالله الحربي فيقول ان كثيرا من معارض الاثاث المنزلي في السابق ظلت تحرص على وجود ورش فنية تابعة جوار معارضها حتى وان كانت داخل الاحياء لكنها لم تكن تتعاطى مع الاثاث المستعمل بل تكتفي بتصنيع غرف النوم والاثاث وفق ما يطلبه الزبون. وقال: ومع ذلك فقد تلاشى وجود تلك الورش داخل الاحياء بفعل الرقابة الميدانية من ادارة الدفاع المدني، وخوف اصحاب المعارض و ملاك العقارات من الوقوع تحت طائلة العقوبات التي تفرضها الادارة على المخالفين لأنظمة السلامة.

هل نحن في جدة؟
يشير عضو المجلس البلدي في محافظة جدة المهندس عبدالله عبدالقادر تركستاني الى ان منطقة الخمرة تفتقد بالفعل ادنى المقومات البيئية فضلا عن افتقادها لكثير من مقومات البنية التحتية: استطيع القول ان الخمرة تعيش كارثة بيئية بكل المقاييس ولا استطيع ان اتصور حتى الان ان مثل هذه المنطقة من بين مناطق محافظة جدة التي تشهد، ولله الحمد، مزيدا من التقدم في مجالات التنمية. فالحقيقة خلال زيارتي للمنطقة لم استطع تحمل الروائح المنبعثة من الحرائق التي يوقدها المخالفون في العديد من الاحواش في وقت متزامن ايضا. وكأننا نعيش في مكان اخر غير مدينة جدة الجميلة لكنه الواقع المؤلم الذي لا يزال يعيشه العشرات ان لم يكن المئات من المواطنين في تلك المنطقة.

هيئة تطوير خاصة
عضو المجلس البلدي يضيف: منطقة الخمرة بشكل عام تحتاج الى هيئة تطوير خاصة بها تراعي موقعها الاستراتيجي واشكالاتها المتعددة و يتحمل مسؤوليتها العديد من الجهات. ومن الغريب ان تعيش منطقة بهذه الاهمية جميع هذه الاشكالات مجتمعة فالخمرة تضم عدة مخططات سكنية معتمدة للمواطنين وتقع قريبا من الكورنيش الجنوبي وتعد متنفسا لاهالي المدينة.
ويضيف التركستاني: شخصيا خاطبت العديد من الجهات الخدمية المسؤولة كلا في ما يخصها بتقديم الخدمة للمواطنين وطلبت بالقضاء على ظاهرة الحرائق التي يوقدها المخالفون ومتابعة نتائج ذلك.. لا ابالغ ان وصفت ما يجري في الخمرة بالكارثة فجميع من وقف على معاناة المواطنين هناك يتفق معي في هذا الوصف بل ان استاذة جامعية زارت المنطقة وصفت الخمرة بأنها اشبه باحد احياء افريقيا لا جدة الساحرة.

استغلال الثقة العمياء
المواطن عبدالله المولد يروي تجاربه مع اسواق الخمرة واحواشها الغامضة ويقول انه تعرض للغش عندما اشترى اثاثا منزليا واتضح في ما بعد انه مستخدم. مشيرا الى انه وقع أكثر من مرة ضحية لمسوقي الأثاث المستعمل الذي لا يمكن اكتشافه الا بالتدقيق والفحص المتأني قبل الشراء. وقال ربما تكون الثقة والعجلة اهم العوامل التي من خلالها يمكن للمتسترين تسويق مثل هذه المنتجات المتهالكة والمنتشرة في كثير من الاسواق، «في احدى المرات في نهاية شهر رمضان اشتريت «كنب» على انه منتج تركي وكلفني ذلك مبلغا قدره 6500 ريال، ومع مرور الوقت اكتشفت انه عبارة عن اثاث مجدد وللاسف تكرر هذا الموقف معي عدة مرات واجزم انه تكرر مع كثيرين غيري فنحن في النهاية مجتمع طيب ويثق في الاخر، لكن ذلك لا يجب ان يكون مدعاة لاستغلال الاخرين للمواطن، وكما قلت لك تعجلت مرارا وعلى المتسوق الحذر والتأني في اختيار ما يريد شراءه واخذ الضمانات على جودته وقبل كل شيء الاختيار الامثل للمحال التجارية».
عثمان الزهراني يقول انه سمع كثيرا عن الحكايات التي تؤكد انتشار الاثاث المجدد في الاسواق وبيعه على انه جديد منوها بأن ذلك جعله يلتزم بشراء الاثاث من محال تجارية عالمية تحرص كثيرا على سمعتها.
وفي المقابل يروي علي آل حلاف قصته مع احد محال بيع الاثاث ويقول انه فصل مجلسا عربيا «باطرمة» بقيمة 9500 ريال وبعد عام تقريبا حاول تجديد قماش المجلس فاكتشف ان الاثاث مصنوع من مواد مستخدمة ومتهالكة وانه تكبد هذه الخسارة الفادحة بسبب الثقة الزائدة التي تعامل بها مع صاحب المحل «واجزم ان له العديد من الضحايا غيري طالما غابت الرقابة عن مثل تلك المحال».

السماسرة يسقطون المستهلك
يرجع خالد الشهري السبب في انتشار الغش التجاري في قطاع الاثاث تحديدا الى رواج صناعته في منطقة الخمرة من خلال اعادة تصنيع الاثاث المستعمل الذي يسوقه السماسرة والذين تنتشر ارقام هواتفهم في العديد من الاماكن ولم تسلم منها المنازل أو السيارات. وقال: هؤلاء التجار هم السبب في رواج تجارة الاثاث المستعمل والتي شملت ايضا الاجهزة الالكترونية والمكيفات والتي استفاد منها السماسرة. وسقط ضحيتها المواطن المستهلك.
ويعود خالد ابو ريان للحديث ويضيف متسائلا: اين هي وزارة التجارة او حتى مكتب العمل من نشاطات مخالفي الخمرة التي تعد منطقة سكنية يقطنها مئات المواطنين فأنا لا أسمع ولا ارى أي نشاط لهاتين الجهتين لوأد تصرفات المخالفين الذين نشروا الفوضى والمرض في المنطقة بحثا عن المال ونحن الضحايا لذلك. سنوات عدة ونحن نطرق ابواب المسؤولين وننقل معاناتنا اليومية ووعودهم لنا لم تتحقق حتى الان.. فإلى متى نظل نعيش الكارثه دون أن يشعر بنا أحد؟