-A +A
مكارم صبحي بترجي
الكثيرون لا يعرفون شيئا عن خريطة «بيري ريس» التي رسمها أحد البحارة المسلمين في القرن السادس عشر للعالم، وكانت بمثابة دليل قوي على أن المسلمين هم أول من اكتشف أمريكا، وقد أوقعت هذه الخريطة علماء الغرب في ورطة كبيرة؛ لأنها رسمت قبل الاكتشاف المعروف لكولومبس بسنوات عديدة.. لذا نراهم يتجنبون الاعتراف بهذه الخرائط؛ لأن هذا الاعتراف يجرد الغرب من كثير من الاكتشافات الجغرافية التي يفخرون بها.. ورسم البحار المسلم خريطة للقارة القطبية الجنوبية، فقد أظهرت شواطئ أنتاركتيكا المغطاة بالثلج حاليا.. فيما أبدت وكالة «ناسا» دهشتها من الدقة العجيبة التي وردت بتلك الخرائط، وحيرت العديد من العلماء، حيث لم يكتف بيري ريس برسم خريطة للأمريكيتين فحسب، بل ذكر نوعيات الحيوانات والنباتات التي عليها، وحدد المسافة بين السواحل الأفريقية والأوروبية والأمريكتين بدقة بالغة، ورسم نهر الأمزون وتفرعاته في أمريكا الجنوبية.
إن هذه الخرائط الثمينة رسمها أحمد محيي الدين بيري الشهير باسم الريس بيري وهو قبطان وراسم خرائط عثماني، صممها بتسعة ألوان على جلود الغزلان وتحتوي على بعض الملاحظات والكتابات التاريخية التي نعلم منها أن السواحل الشرقية لقارة أمريكا كانت مسجلة ضمن الممتلكات العثمانية تحت اسم «أنتيليا» منذ عام 1465م، أي قبل كولومبس بـ27 عاما، وأن تشابه اسم جزر الأنتيل الحالية مع اسم أنتيليا يشير إلى أن هذا الاسم مأخوذ من اللغة المحلية لشعب هذه المنطقة آنذاك.. ومعروف أن العثمانيين لم يكونوا يغيرون أسماء البلدان التي يفتحونها بل يبقون على هذه الأسماء؛ إذ لم يكن من عادتهم وضع أسماء الأشخاص أو الأفراد على هذه البلدان مثلما فعل المستعمرون الغربيون عندما وضعوا مثل هذه الأسماء مثل: كولومبيا، وفكتوريا، والفلبين... إلخ. ورجوعا للخريطة فإنها كانت شديدة الدقة حتى ادعى البعض أنها من رسم كائنات فضائية، وتتألف الخريطة المشهورة والمعروفة باسم بيرى ريس من خرائط عدة تشمل كل أجزاء العالم تقريبا فهي بمنزلة أطلس للخرائط.. ولكن أهم خريطة ضمن هذه المجموعة من الخرائط هي خريطة الساحل الشرقي لقارة أمريكا، إذ تبين وجود تطابق مدهش بينها وبين الخرائط التي سجلتها وصورتها الأقمار الصناعية لهذا الساحل. ومع أن الحقائق واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، فإن الأوربيين لا يبدون احتراما للحقائق، ولا نستطيع نحن الدفاع عن تراثنا أو صون هذا التراث طالما لا يمكننا حفظ التاريخ، بل نأخذه من أفواه الأجانب دون أن نتمعن ونفكر في الأحداث الهامة التي كان بمقدورها أن تضيف لنا الكثير.. ولا شك أننا نقدر ونثمن سعي وزارة الثقافة التركية في تعقب آثارها القديمة واسترجاعها، إلا أننا نرى أن ما هرب إلى الخارج لا ينحصر في الآثار القديمة.. وأعتقد أن التاريخ العسكري العثماني وبالأخص التاريخ البحري يحتاج لكتب متخصصة تعتمد طبعا على الوثائق، والخلاصة أننا نحن المسلمين أول من رسم خريطة العالم منذ ما يزيد على 5 قرون، أين كتب تاريخنا من تسجيل ذلك وتعليمه لأبنائنا.