-A +A
جهير بنت عبدالله المساعد
التدين الشعبي السائد بالمملكة العربية السعودية منذ توحيد البلاد لم يكن مثاراً للشبهة أو التشكيك أو سوء الظن في مصداقيته ومرجعيته، وظهور ما سمي بالصحوة في أيامنا الحديثة إنما هو نوع من التلبّس لأغراض أخرى توسّل الدين وسيلة. فما كان السعوديون في وقت من الأوقات مُفرطين بدينهم، ولا كانوا يُسمسرون عليه كما فعل ويفعل غيرهم، ولا كانوا نائمين عنه وتاركين شوارعهم وأحياءهم تسرح وتمرح بين المحرمات والفواحش! كانوا معروفين بالالتزام وبقوا ملتزمين واستمروا ملتزمين. وتصعيد الأجواء مؤخراً تحت شعارات شتى لم يبدأ إلا مع تسييس الصحوة وظهور بعض الدعاة الجدد الذين خرجوا عن المؤسسة الدينية كطلاب صدارة أكثر مما هم طلاب علم أو علماء فقه. تلك كانت بدايات زعزعة التدين في النفوس المتربية على الفطرة السليمة. حتى وصلنا إلى استحالة تعميم صيغة المسلم الوطني لأن ما يجري في الوقت الحاضر هو التصنيف للناس والتقسيم بينهم فإما.. وإما(!!) وبتأجيج المناخ الداخلي على هذا الشكل دخل الناس بأفكارهم وتصوراتهم مرحلة الضبابية والتعتيم فما عادوا يعرفون أين الخطأ وأين الصواب وإلى أين يتجهون ومع من يقفون خاصة وأن الفتاوى باتت في يد الجميع.. لا أحد يهاب إصدارها إلا من رحم ربي وأصبحت العقول تعيش حالة من الإرباك والبلبلة وهذه الحالة هي الحاضنة الأساسية للفكر الإرهابي المتطرف فحتى المتمسكون بدينهم ما عادوا يدرون ما الذي يجري حولهم.
لم تتغير أسماء الناس وسماتها وعناوينها إنما تغيرت أفكارهم بعد أن تغيرت طريقة تغذيتهم الدينية التي صارت تتم بواسطة (الرضاعة الصناعية) أي بواسطة تيار الصحوة المتطرفة، وانفتاح آفاق الفتاوى المتضاربة، فإذا قيل «الربا» حرام ولاشك في ذلك تساءل الناس ما الربا؟ هل هو البنوك المنتشرة.. وإذا انصرف عنها الناس هل يضعون أموالهم تحت البلاطة أو تحت الوسائد! وسرعان ما تأتي فتوى لا تشرح للناس واقعهم.. بل تبيح ما حرمته الفتوى الأولى والتفاصيل لا تزال ضبابية! ومن الربا والعمل في البنوك إلى تحريم الدشات والأطباق الفضائية إلى أن ظهر عبر قنواتها الذين كانوا يحرمونها!! ومن الفضاء إلى الأرض.. جدل صاخب حول تعليم اللغة الأجنبية ثم يأتي السماح للمدارس الأهلية باختيار ما يناسبها من مناهج وأين هذا من ذاك؟ ثم يأتي التفريق بين زوجين سعوديين لعدم الكفاءة في النسب.. في حين تظهر بعده إباحة الزواج من أجنبية بنيّة الطلاق! فهل كفاءة النسب مع الأجنبية متوفرة إلى حد الإباحة؟! وإذا كانت كفاءة النسب شرطاً للزواج الصحيح.. كيف نُفرق بين السعوديين.. بينما تربط بين سعودية وأجنبية في زواج مباح!!؟ وإذا قيل هذه نقرة وتلك نقرة، أي النقرتين أصح؟! وأولى؟ وإذا كان الخوف من الإضرار يترتب على عدم كفاءة النسب بين السعوديين.. فهل الإضرار بأجنبية عن طريق الزواج بنية الطلاق.. مُباح؟! وأين الأخلاق وهي قوام الدين! وهكذا يمسي الناس في لجة ويصبحون في عتمة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.