حين نتأمل قول المولى عز وجل «وقفوهم إنهم مسؤولون»، يقفز للذهن التناسب الطردي الوطيد بين روح المسؤولية، ومبدأ الرقابة والمحاسبة، إذ كلما شاع الأخير في المجتمع، نمت روح المسؤولية عند المتصدي للشأن العام، والعكس هو الصحيح، فعندما لا يشعر المسؤول أن فوق رأسه من يحاسبه، عاد إلى بيته كل مساء ليغط في نوم عميق، من دون أن يولي المجتمع أهمية فيما أنجز أو كيف أنجز لأن روح المسؤولية سوف تموت حتما. وهذا المدخل لقراءة 200 ساعة حيوية قضاها مستشار الملك والحاكم الإداري لمكة المكرمة لا تعني بالضرورة أن ثمة قصورا شاملا في كل مفاصل الأجهزة الحكومية لكن ما تداوله المكيون وإخوانهم بعد قرار عودة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أميرا لمنطقة مكة المكرمة يعكس كيف يفكر والمجتمع وكيف يرصد الحراك التنموي ولعل في مقاطع وسائط التواصل الاجتماعي خير شاهد وبرهان حيث تحركت كافة المعدات في وقت وجيز ليباشر كل مقاول مهام عمله قبل أن تزقزق العصافير مع تباين الخط الأبيض من الأسود من الفجر.
مكة أولوية المستشار
** «الفيصل» الذي يستكمل في فترته الثانية قيادة مشاريع صناعة وجه حضاري مشرق لقبلة المسلمين مكة، مطلقا شعار «نحو العالم الأول» لمدينة تصنف أنها الأولى في عدد المشاريع التي تجري في بقعة واحدة بتكلفة تتجاوز 150 مليار ريال بدأت بعض ملامحها في الظهور فيما يترقب أهالها مرحلة تنمية جديدة لمدينة أجهضت كل أحلامها مشاريع التعثر وملفات الفساد؛ لذا يسعى الأمير الطموح صوب تحقيق أحلام يرسمها مبدعو مدينة ضاربة في تاريخ الدنيا، يريدون انعكاس ذلك الإرث التاريخي لرسم مستقبل وواقع أفضل للمدينة المختلفة.
عاد الفيصل أميرا لمكة المكرمة وهو بنفس الروح والحيوية والنشاط المعروف عنه، يقضي أيامه الإدارية بين جدة ومكة، وهو الإداري المنضبط حيث تفتح بوابة إمارة المنطقة ذراعيها من الصباح الباكر ليملأ صوت المراجعين جدرانها صدى ونداء ويدشن أول يوم دوام رسمي له في الإمارة بمجلسه المفتوح الذي يتحول لورشة عمل ترتكز العصف الذهني في البناء بعيدا عن المدائح والمفاخرة بل في مكاشفة حقيقية لهموم المواطن وتقييم للتنمية بكل أبعادها.
لا أزمات في المنطقة
لذا كلنا نوقن أن المرحلة ستحمل في مقبل أيامها منجزات لأن الفيصل لا يستلم مكانا ومنصبا إلا ويترك بصماته عليه لأنه ذو منحى مختلف في السير ودعم الفكر والثقافة والسياحة والاستثمار والرقابة والإشراف وشهدنا هذا في 200 ساعة قضاها الفيصل لا يعرف الهدوء وشرع في المواجهة مع أزمة الغاز التي تسيدت الأيام الأولى من مباشرته، بحث المسببات والتقى المسؤولين في شركة الغاز ووضع الحلول الجذرية وقال كلمته: «لا نريد أن تتكرر هذه الأزمة ولا بد أن تنتهي فورا»، وهو ما تترجم على أرض الواقع بعد ساعات من تدخل الفيصل الحاسم.
الأمير والأمناء الثلاثة
** «الأمير المستشار» لا يزال عند حلمه الذي أطلقه قبل سبعة أعوام «مكة نحو العالم الأول»؛ لذا جدد الأمير خالد الفيصل تأكيده على أن تكون مكة المكرمة أجمل المدن في العالم، مؤكدا أن «مكة ثم مكة ثم مكة» على قائمة أولوياته حين طلب اللقاء مع الأمناء الثلاثة في المنطقة، وصدح لكل منهم: «أريد الجدول الزمني لمشاريع المنطقة، لن نسمح بالتعثر وسنواصل المسير»، هكذا كان كما قال لـ «عكاظ» أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة بن فضل البار حيث بين أن سموه وجه بأهمية الانتهاء من مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإعمار مكة المكرمة الذي بدأ قبل أربعة أعوام في المدة الزمنية المحددة له. وشدد على أهمية تقديم خطة متكاملة لمشروع تطوير العاصمة المقدسة، مع ضرورة الالتزام بالجدول الزمني المعد سلفا لتنفيذ المشاريع الحالية مع الأخذ في الاعتبار تسريع وتيرة العمل من دون الإخلال بالجودة، فيما سأل بدقة المسؤولين في أمانة العاصمة المقدسة عن مشاريع جار تنفيذها في مكة المكرمة، ومن بينها مشروع الملك عبدالله لإعمار مكة، ومشروع النقل العام للقطار والحافلات، ومشاريع تطوير العشوائيات، والضاحية الغربية والبوابة، كذلك مشروع تطوير الشراشف والدائري الرابع وما تحتضنه العاصمة المقدسة من مشاريع أخرى.
الطائف المؤنس والأمير
ولم تغب مدينة الورد وعروس المصائف عن ذاكرة الفيصل في أيام عودته الأولى حاكما إداريا لمنطقة مكة المكرمة حيث سأل أمين محافظة الطائف المهندس محمد المخرج عن مشاريع المحافظة، وما نفذته اللجنة العليا لتطوير الطائف من أعمال خلال الفترة الماضية إضافة للخطط والأعمال التي تعتزم اللجنة تنفيذها خلال الفترة المقبلة، وهنا يكشف لـ «عكاظ» المهندس المخرج الحديث مع أمير التطوير فيقول: «كان دقيقا في تساؤلاته عن مشاريع المحافظة، وكأنه لم يغب عنا حيث يتذكر أدق تفاصيلها وأبرز معوقاتها؛ لذا قدمت له عرضا كاملا عن المشاريع الجاري تنفيذها ومواعيد الانتهاء منها، إضافة للخطط المستقبلية لمشاريع المحافظة».
العروس في وجدان المستشار
ولأن «العروس» بكل أفراحها وأتراحها تحتل مساحة واسعة في قلب ووجدان «الفيصل» كان أمين محافظة جدة هاني أبو راس من أول المسؤولين الذين التقاهم سموه في مكتبه ليطلع على مشاريع المحافظة الجاري تنفيذها، وفي مقدمتها مشاريع الطرق والأنفاق والجسور الرامية لحل مشكلة الاختناقات المرورية، وتم في مشروع تطوير الواجهة البحرية وغيرها من مشاريع التنمية في المحافظة طالبا بشكل واضح وصريح تقديم برنامج زمني مجدول يحدد نسبة الإنجاز في المشاريع وموعد الانتهاء منها.
الاعتذار الأميري
** وعلى الرغم من تزاحم الأعمال في أجندة الفيصل في أسبوع عودته الأولى فإنه أصر على أن يعتذر، نعم يعتذر في ثقافة مسؤول واعٍ مدرك لكل ما يدور في منطقته من أحداث سواء الصغائر منها أم الكبار، فنقب الفيصل بحسه الإداري العالي في تفاصيل أزمة الغاز ليكون «الاعتذار» من حارس أمن الغاز مشهدا مختلفا يعكس الوعي القيادي، فلم يغفل مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ما جرى لرئيس الأمن في شركة الغاز الوطنية صالح الزهراني والذي أوقف في شرطة جدة بعد أن منع لجنة مشكلة من عدة جهات من الدخول إلى منطقة داخل الشركة يتوجب دخولها ارتداء زي خاص لدواعي السلامة فطلب لقاءه ليقول له بكل تواضع ومسؤولية: «أعتذر منك باسمي واسم مسؤولي المنطقة عما حدث»، ليمسح كل التراكمات النفسية التي تركها الموقف الذي تعرض له الزهراني ويدفعه ذلك الاعتذار الأميري للتراجع عن تقديم استقالته نظير ما تعرض له.
الشريان الحركي في المنطقة
** مستشار خادم الحرمين الشريفين الذي يملك رؤية مختلفة في صناعة النقل في منطقة حيوية ديناميكية كمكة المكرمة طلب فورا رئيس هيئة الطيران المدني سليمان بن عبدالله الحمدان المعين حديثا في هذا المنصب المهم ليطلع أمير مكة المكرمة ويطمئن على سير العمل في مشروع مطار الملك عبدالعزيز الجديد بجدة ومراحل العمل فيه، كذلك مشروع مطار الطائف الجديد، وبحث ما تم بخصوص إنشاء مطار القنفذة وهو الأمر الذي يؤكد أن العمل المتوازن والتنمية المتكاملة لم ولن تغيب عن المنطقة، فيما طلب في الوقت ذاته لقاء مدير عام فرع وزارة التجارة والصناعة بالمنطقة المهندس عبدالإله بن مشيط سيما مع تسريبات باحتمالات رفع الأسعار في المحال التجارية تزامنا مع تسلم الموظفين مكرمة الراتبين، وهنا طلب الفيصل رفع مؤشرات الرقابة الميدانية منتهيا من هذا اللقاء ودخل في لقاء لا يقل أهمية عن توطين الوظائف في المنطقة، حيث التقى مدير عام فرع وزارة العمل بمنطقة مكة المكرمة عبدالمنعم الشهري وجرى خلال اللقاء استعراض أعمال الوزارة في المنطقة خصوصا فيما يتعلق بالعمالة الوافدة وتوطين الوظائف وعدد من الموضوعات.
عتق الرقاب
** كل هذه الأعمال الإشرافية والرقابية التي مارسها الحاكم الإداري في أسبوع مباشرته الأولى، لم تنسه التفكير في الأجر العظيم في الإصلاح وحقن الدماء وإشاعة ثقافة العفو، فأدار البوصلة صوب عتق الرقاب، حيث أسفرت شفاعة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، ورئيس مجلس إدارة لجنة إصلاح ذات البين بإمارة منطقة مكة المكرمة عن تحقيق العفو، ورفع سيف القصاص عن رقبتين بمكة المكرمة وخلصت جهود أعضاء لجنة إصلاح ذات البين إلى تحقيق العفو بعد ساعات طويلة من المفاوضات مع أولياء الدم لإقناعهم بالتنازل رغبة فيما عند الله تعالى وقبولا لشفاعة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، حيث تنفست عشرات الأرواح الصعداء.. لحظة تنازل أولياء الدم للمجني عليه: إبراهيم معافا مستور يمني الجنسية، عن قاتل ابنهم: بدر حمادي الهذلي سعودي الجنسية، وتنازل أولياء دم المقيم: عبدالرحيم عبدالقادر شعف، عن قاتل ابنهم: أنيس قايد أحمد؛ وذلك نتيجة خلافات نتج عنها وقوع قضايا القتل وهنا يقول الدكتور ناصر الزهراني الرئيس التنفيذي للجنة إصلاح ذات البين: «إن هذه الجهود تزامنت مع بشائر الخير وطلائع الإنجاز التي تضافرت وتتابعت منذ الوهلة الأولى لعودة سمو الأمير خالد الفيصل إلى إمارة منطقة مكة المكرمة وهو الداعم الأول لأعمالها، حيث لقيت (لجنة إصلاح ذات البين) من سموه حسن دعمه وجميل رعايته مما وصل بها إلى المنزلة المرموقة، وحرص سموه على الارتقاء بها ودعمها لتؤدي رسالتها السامية في أعمالها الاجتماعية والخيرية والإنسانية، مستنيرة بتوجيهاته الكريمة وهمته العظيمة».
وأخيرا.. يتقدم الفيصل جموع المصلين في الحرم المكي الشريف أمس رافعا يديه للسماء داعيا الله أن يغيث العباد والبلاد وأن يجعل مهمته الثانية عونا له في التقرب إليه عزو جل.