-A +A
? علي الرباعي (الباحة)
أجمع عدد من الأكاديميين والمتخصصين في علوم المال والاقتصاد على الآثار الخطيرة لظاهرة الإرهاب والتطرف على مقدرات الشعوب وثرواتها واقتصادياتها. ويؤكد عضو مجلس الشورى الدكتور فائز الشهري أن الإرهاب يؤثر على معطيات الحياة بأكملها، مشيرا إلى أن اقتصاد الدول ونموها لا يتحقق ولا يزدهر إلا في ظل استتباب الأمن واستقرار الأوضاع.

لافتا إلى أن الدول في ظل الأوضاع الإرهابية توجه قدرا كبيرا من مخصصات ميزانيتها لمواجهة هذه الآفة، علما أن تلك المخصصات كانت معدة للإنفاق على مشروعات التنمية ورفع مستوى الفرد والمجتمع في جميع المجالات، فيما يرى المستشار الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودي الدكتور زيد بن محمد الرماني أن الإرهاب إحدى أخطر مشكلات القرن، وعده من أهم الظواهر التي تعاني منها المجتمعات الإنسانية في الوقت الحاضر، لما يعكسه من آثار سلبية في سبيل تقدم الأمم وازدهارها، كونه مصدر خطر على اقتصاديات الكثير من بلدان العالم، إذ أن من آثاره تدمير الاقتصاد وتراجع الدخل الوطني، مستعيدا ما قدرته الباحثة الاقتصادية لوريتا نابوليوني في كتابها عن آثار الإرهاب بأنه كلف الدول ما يقارب نحو 5.1 تريليون دولار حتى الآن، مضيفا أن الكاتب بريان ويسبوري يقدر الأضرار الاقتصادية الناشئة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر بـ120 مليار دولار، ما أحدث قلقا ماليا على العافية الاقتصادية في أمريكا، مشيرا إلى أن التقديرات الأولية لخسائر ميزانية دولة عربية واحدة تتجاوز 12 مليون دولار على الأقل شهريا، لافتا إلى زيادة التقديرات وتوقعات الخسائر الاقتصادية على النقل والسياحة والنفط والصيد والبيئة، مؤكدا أن الإرهاب عدو للتنمية وخطره المباشر يتمثل في ضرب الاقتصاد الذي هو شريان الحياة للمجتمعات، ومن ذلك تطاوله على منشآت النفط، إضافة إلى آثاره في وجود البطالة والتضخم وضعف الاستثمار وتراجع الأسواق المالية وإفلاس الشركات وخسائر قطاع التأمين وتذبذب سعر الصرف على العملة المحلية في تلك الدولة وميزان المدفوعات بها، وإحجام الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات عن إقامة مشروعات في المجتمع، خوفا من الإرهاب والإرهابيين.
ويرى أمين عام الغرفة التجارية السابق في الباحة المهندس سفر الزهراني أن الكيان الاقتصادي لا ينمو ويستمر في التطور والازدهار إلا في ظل استتباب الأمن، كون عقود الاستثمار في الشركات الكبرى تمتد إلى مدد طويلة قد يصل بعضها إلى عشرات السنين كون الاستثمار يعني شراء الأراضي وإقامة المباني والمنشآت وجلب الآلات والمعدات والأيدي العاملة المحلية والوافدة.
وأكد أن الاستثمارات الوطنية والأجنبية لا يمكن أن تقدم على بناء مشاريع إنتاجية أو تؤسس لنظم خدمية إلا في ظل الأمن والاستقرار، مشيرا إلى أن النهضة العمرانية الكبرى التي تعيشها المملكة وما تبع ذلك من تطور زراعي وصناعي وتجاري وخدمي لم يكن ليتحقق لولا فضل الله ثم الأمن والأمان الذي تعيشه بلادنا.
ويرى رئيس دار الدراسات الاقتصادية، ورئيس تحرير مجلة عالم الاقتصاد الدكتور عبدالعزيز بن إسماعيل داغستاني أنه لابد أن يدرك المجتمع أن ما تقترفه هذه الأيدي الآثمة من أعمال إرهابية تنعكس سلبا على الاقتصاد الوطني بحكم تداعياتها الاجتماعية والأمنية وعبثها بأمن العباد والبلاد، داعيا إلى أن يقف المجتمع بأسره بكل حزم وقوة أمام هذه الفئة الضالة لضمان استقرار الأوطان والمحافظة على المكتسبات التنموية التي تحققت عبر سنوات طويلة، إذ يتكبد الاقتصاد والمجتمع على حد سواء خسائر متراكمة جراء الانشغال بمواجهة الإرهاب، وهو ما يعيق الالتفات إلى التنمية وتوجيه كافة الموارد الاقتصادية المتاحة لبرامجها ومصاريفها، فالتنمية هي غاية المجتمعات المتوثبة والإنسان وسيلتها، ولا يمكن أن تستقيم الأمور إذا شذت فئة في المجتمع عن طريق الصواب واختارت الإضرار به دون وازع من دين أو ضمير.
ويذهب أستاذ الاقتصاد الدكتور عبدالله بن سليمان الباحوث إلى أن الاستقرار السياسي والاجتماعي يعد أحد أهم المقومات البدهية للتنمية الاقتصادية، مشيرا إلى أن أي اختلال في الأمن يفضي إلى اختلال مسيرة التنمية، فيما يؤكد أستاذ العلوم الإدارية الدكتور محمد بن يحيى اليماني أن الإرهاب يولد الإضرار بالقدرة التناسبية للاقتصاد المحلي في مجال جذب الاستثمارات كون الإرهاب يوفر بيئة طاردة للاستثمارات مهما كانت طبيعة البنى التحتية المادية والقانونية المتاحة، ومهما كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية مواتية، فهو لا يؤثر على مجرد جذب الاستثمارات، بل يفرغ البرامج والخطط والسياسات الاقتصادية والتنموية من مضمونها ما يترتب عليه حرمان المجتمع من الاستفادة من الخبرات والكفاءات الأجنبية في مختلف التخصصات في الجامعات، ومراكز البحث العلمي، والمستشفيات إلى جانب الشركات والقطاعات الإنتاجية المختلفة، إضافة إلى تدني مستوى التدريب والتأهيل الذي يمكن أن يتوافر عليه عنصر العمل المحلي، واستنزاف مقدرات المجتمع، وترجيحها نحو محاربة الإرهاب، عوضا عن صرفها نحو دعم العملية التنموية، لافتا إلى أنه في أزمنة الإرهاب تنشغل الدولة به عن إنشاء الطرق، والإنفاق على إقامة المدارس، والمستشفيات، والمشاريع الحيوية إذ يتوجه الإنفاق نحو برامج مكافحة الإرهاب، وفي هذا إلغاء لكثير من البرامج التنموية.