يعتبر كتاب يونج تشانج (Wild Swans) (البجعات البرية) من أهم كتب البايوجرافيات في نهاية القرن العشرين 1991 فهو وثيقة تدون مراحل تاريخية مهمة في تاريخ الصين. والكاتبة اليوم من أهم الكاتبات من أصول صينية بالعالم. والكتاب رغم بيع ملايين النسخ منه وترجمته للغات كثيرة إلا أنه ممنوع في الصين.
وقارئ الكتاب يتعلم منه الكثير ليس فقط عن النظم السياسية والفكرية والدوجماتية في الصين بل وعن العادات والتقاليد ودقائق الحياة تحت نظام ماو. فيتعلم القارئ الكثير عن الثورة الثقافية في الصين فربما يكون كل ما نعرف عنها هو أنها حولت الجميع بمن فيهم الأطباء والمهندسون والعلماء إلى عمال ومزارعين في الحقول لدفع عجلة الإنتاج إلا أننا لا نعرف دقائق وتفاصيل حياة الأفراد تحت ذلك النظام القارس.
والكاتبة تروي قصة تحول الصين اجتماعيا وثقافيا وسياسيا عبر ثلاثة أجيال: جدتها ووالدتها وقصتها هي الشخصية.
فجدتها عاشت أيام القمع النسوي الذي لم يطل فقط قدميها اللتين ربطتا وهي في الثانية من عمرها ليتوقف نموهما فتصبحا صغيرتين وكانت هذه من علامات الجمال والأنوثة وقتها، بغض النظر عن التشوه والآلام التي عانت منها طول حياتها بعدها، وإنما تاجر أبوها بجمالها فزوجها وهي طفلة من رجل مسن لرتبته العسكرية وثروته التي تعني الكثير لعائلتها. وعاشت معه حياة عصيبة مع زوجات ومحظيات أخريات وكان لا يزورها إلا نادرا وحينما مات هربت مع ابنتها إلى بيت والديها اللذين كان يمنعها حتى من زيارتهما. وعودتها لمنزل أبيها كانت عصيبة فلم يرحب بها ولا بابنتها فتزوجت بعد ذلك من طبيب مسن يكبرها بتسعة وثلاثين عاما ولكنه طيب القلب جدا وكان زوجا وفيا ومحبا لزوجته ولابنتها.
وأما والدتها فقد التحقت «بالجيش الأحمر» في الخامسة عشرة من عمرها وتعرفت على والدها هناك وتزوجا وتروي القصة تفاصيل حياتهما التي كانت هانئة بداية، فبسبب رتبة والدها العالية في الجيش عاشت هي وإخوتها بسعة في منزل في «كمباوند» راقٍ وكان لديهم سائق خاص وخادمة ومربية وكانت جدتهم تعيش معهم وتحكي الكاتبة تفاصيل دقيقة عن تحضيرات الإفطار الصيني الذي كانت جدتها تستيقظ منذ الفجر لتحضيره فهو يحتاج لمجهود كبير. وكان منزلهم مليئا بالتحف النادرة والكتب القيمة التي تولع بها والدها المحب للأدب. وفجأة غضب عليهم النظام وعانوا من ويلات السجن والتغريب والحرمان من رؤية بعضهما لسنوات طويلة. ويروي الكتاب قصة كفاح والدها وانهياره الصحي والعقلي ثم وفاته بعدها. وخاصة بعد انبثاق الثورة الثقافية الصينية وأتباعها الذين قاموا بالهجوم على منازل الأثرياء وتخريب وتدمير ممتلكاتهم.
ورواية القصة عاصرت الثورة الثقافية الصينية كما عاصرت أيام ماو العصيبة والقصة تروي لنا تفاصيل مثيرة عن الحياة في الصين تحت ذلك النظام فنرى كيف أن الناس مغيب عنهم التفكير الاستهلاكي تماما وكيف أن هناك مايشبه التوحد حتى على نطاق الأزياء وتسريحات الشعر. وكيف أن سياسة «القفزة إلى الأمام» جعلت الجميع بمن فيهم الأطفال يساهمون في صناعة الفولاذ حتى أن المزارعين تركوا الحقول متسببن في مجاعة رهيبة. والمخيف جدا في ذلك النظام أن الناس أصبحوا يتجسسون على بعضهم البعض ونمت ثقافة المخابرات الفردية فكل فرد في نظام ماو يمكنه التبليغ عن آخر لإيقاعه وكان البعض طبعا يستغل ذلك لتصفية حسابات شخصية.
وبهذه الطريقة أوشى البعض بأبيها وأمها فانقلب عليهم الثوار وحرقوا كتب أبيها وكسروا ممتلكات والدتها وأهينا وضربا علنا وأجبرا أن يعملا في أعمال شاقة فكانت والدتها تقف في حقول الأرز وساقاها مغمورتان بالمياه الباردة لمدة ساعات طويلة لأنه هناك اعتقاد بأن المرأة التي أنجبت الصبيان «خصبة» تزيد محصول الأرز، بينما أجبر والدها على الأشغال الشاقة بمعسكرات اعتقالية.
وفقط بوفاة ماو تتضح الصورة ليونج تشانج وترى العالم بطريقة مختلفة لتدرك بفزع أنها كانت أسيرة (بروباجاندات) ماوية. فتسافر الكاتبة إلى بريطانيا لتصبح أول مواطنة صينية تحصل على الدكتوراه من بريطانيا وتتزوج من مؤرخ بريطاني وتستقر وتتفرغ لكتابتها هناك.
هذا كتاب لا غنى عن قراءته لكل محب لأدب البايوجرافيات كسيرة وثائقية عظيمة لبقعة فريدة في العالم خلال ثلاث نساء استثنائيات خلدتهن الكاتبة التي تقول بإصرار ووفاء: «مازالت الصين في قلبي».
وقارئ الكتاب يتعلم منه الكثير ليس فقط عن النظم السياسية والفكرية والدوجماتية في الصين بل وعن العادات والتقاليد ودقائق الحياة تحت نظام ماو. فيتعلم القارئ الكثير عن الثورة الثقافية في الصين فربما يكون كل ما نعرف عنها هو أنها حولت الجميع بمن فيهم الأطباء والمهندسون والعلماء إلى عمال ومزارعين في الحقول لدفع عجلة الإنتاج إلا أننا لا نعرف دقائق وتفاصيل حياة الأفراد تحت ذلك النظام القارس.
والكاتبة تروي قصة تحول الصين اجتماعيا وثقافيا وسياسيا عبر ثلاثة أجيال: جدتها ووالدتها وقصتها هي الشخصية.
فجدتها عاشت أيام القمع النسوي الذي لم يطل فقط قدميها اللتين ربطتا وهي في الثانية من عمرها ليتوقف نموهما فتصبحا صغيرتين وكانت هذه من علامات الجمال والأنوثة وقتها، بغض النظر عن التشوه والآلام التي عانت منها طول حياتها بعدها، وإنما تاجر أبوها بجمالها فزوجها وهي طفلة من رجل مسن لرتبته العسكرية وثروته التي تعني الكثير لعائلتها. وعاشت معه حياة عصيبة مع زوجات ومحظيات أخريات وكان لا يزورها إلا نادرا وحينما مات هربت مع ابنتها إلى بيت والديها اللذين كان يمنعها حتى من زيارتهما. وعودتها لمنزل أبيها كانت عصيبة فلم يرحب بها ولا بابنتها فتزوجت بعد ذلك من طبيب مسن يكبرها بتسعة وثلاثين عاما ولكنه طيب القلب جدا وكان زوجا وفيا ومحبا لزوجته ولابنتها.
وأما والدتها فقد التحقت «بالجيش الأحمر» في الخامسة عشرة من عمرها وتعرفت على والدها هناك وتزوجا وتروي القصة تفاصيل حياتهما التي كانت هانئة بداية، فبسبب رتبة والدها العالية في الجيش عاشت هي وإخوتها بسعة في منزل في «كمباوند» راقٍ وكان لديهم سائق خاص وخادمة ومربية وكانت جدتهم تعيش معهم وتحكي الكاتبة تفاصيل دقيقة عن تحضيرات الإفطار الصيني الذي كانت جدتها تستيقظ منذ الفجر لتحضيره فهو يحتاج لمجهود كبير. وكان منزلهم مليئا بالتحف النادرة والكتب القيمة التي تولع بها والدها المحب للأدب. وفجأة غضب عليهم النظام وعانوا من ويلات السجن والتغريب والحرمان من رؤية بعضهما لسنوات طويلة. ويروي الكتاب قصة كفاح والدها وانهياره الصحي والعقلي ثم وفاته بعدها. وخاصة بعد انبثاق الثورة الثقافية الصينية وأتباعها الذين قاموا بالهجوم على منازل الأثرياء وتخريب وتدمير ممتلكاتهم.
ورواية القصة عاصرت الثورة الثقافية الصينية كما عاصرت أيام ماو العصيبة والقصة تروي لنا تفاصيل مثيرة عن الحياة في الصين تحت ذلك النظام فنرى كيف أن الناس مغيب عنهم التفكير الاستهلاكي تماما وكيف أن هناك مايشبه التوحد حتى على نطاق الأزياء وتسريحات الشعر. وكيف أن سياسة «القفزة إلى الأمام» جعلت الجميع بمن فيهم الأطفال يساهمون في صناعة الفولاذ حتى أن المزارعين تركوا الحقول متسببن في مجاعة رهيبة. والمخيف جدا في ذلك النظام أن الناس أصبحوا يتجسسون على بعضهم البعض ونمت ثقافة المخابرات الفردية فكل فرد في نظام ماو يمكنه التبليغ عن آخر لإيقاعه وكان البعض طبعا يستغل ذلك لتصفية حسابات شخصية.
وبهذه الطريقة أوشى البعض بأبيها وأمها فانقلب عليهم الثوار وحرقوا كتب أبيها وكسروا ممتلكات والدتها وأهينا وضربا علنا وأجبرا أن يعملا في أعمال شاقة فكانت والدتها تقف في حقول الأرز وساقاها مغمورتان بالمياه الباردة لمدة ساعات طويلة لأنه هناك اعتقاد بأن المرأة التي أنجبت الصبيان «خصبة» تزيد محصول الأرز، بينما أجبر والدها على الأشغال الشاقة بمعسكرات اعتقالية.
وفقط بوفاة ماو تتضح الصورة ليونج تشانج وترى العالم بطريقة مختلفة لتدرك بفزع أنها كانت أسيرة (بروباجاندات) ماوية. فتسافر الكاتبة إلى بريطانيا لتصبح أول مواطنة صينية تحصل على الدكتوراه من بريطانيا وتتزوج من مؤرخ بريطاني وتستقر وتتفرغ لكتابتها هناك.
هذا كتاب لا غنى عن قراءته لكل محب لأدب البايوجرافيات كسيرة وثائقية عظيمة لبقعة فريدة في العالم خلال ثلاث نساء استثنائيات خلدتهن الكاتبة التي تقول بإصرار ووفاء: «مازالت الصين في قلبي».