الاختلاف كلمة كبقية الكلمات، ولكنها لا تقال على شيء واحد بعينه، بل علاقة بين شيئين أو شخصين فأكثر، فيما يتعلق بصفة أو أكثر. فنقول أحمد يختلف عن سعد في الكرم، ويعني أن أحدهما أكرم من الآخر وليس بالضرورة أنهما متناقضان. والتفاح يختلف عن البرتقال في الطعم... وهكذا. لكننا بالعادة نقيم علاقات الاختلاف بين الأشياء أو الأشخاص المتشابهين أو المندرجين في نوع واحد.. فأحمد وسعد يختلفان في بعض الشمائل، ولكنهما ينتميان لنوع الإنسان أو لفصيل العرب... وهكذا. ولذا سيكون غريبا أن تقيم علاقة بين أحمد والتفاحة. فالاختلاف علاقة تتم داخل إطار مشترك. أما الاختلاف بوصفه مصطلحا سياسيا وثقافيا، فهو يعني الاختلاف بين الأفراد داخل المجتمع من جهة، وبين مجتمع وآخر من جهة أخرى. فهل الاختلاف بين الناس خصلة محمودة أم مذمومة؟ أعتقد أن الناس لا يرون مانعا في وجود الاختلاف.. فهو شيء طبيعي؛ كاختلاف الناس في الألوان والأديان والقدرات والأفكار والأذواق. لكن المشكلة ليست في وجود الاختلافات بين الناس وبين الأمم.. بل في فكرة المفاضلة. فإذا قال شخص ما: «أنا مؤمن بالاختلاف.. لكن أعتقد أن العرق الأبيض أرقى من الأسود والنساء أدنى من الرجال».. فإنه في الواقع لا يؤمن بالاختلاف، بل بالعنصرية والتطرف، ولو أصبح هذا الرجل مشرعا قانونيا لانتهى به الأمر بمثل ما انتهت به النظريات العرقية كالنازية والصهيونية والأصوليات المتطرفة.
الاختلاف ــ ببساطة ــ ليس مجرد الإقرار بأن الناس مختلفون.. إنما احترام الناس المختلفين واحترام اختلافهم. والاحترام ــ بدوره ــ ليس الحب والشفقة.. بل الإيمان بحق الآخرين وحريتهم في الاختلاف و «ممارسته».
في الحقيقة أن الاختلاف يتفاوت في أهميته تبعا للموضوع أو الشأن المختلف فيه. فالاختلاف في الطعام بين الناس شيء هامشي ولا يشكل قضية رأي عام.. ولكن الاختلاف في الدين أو التوجه السياسي أو المذهب الفكري له أهمية عظيمة في المجتمعات. ومن هنا فإن المجتمعات تنقسم بناء على إقرارها أو رفضها لهذا النوع من الاختلاف إلى قسمين: مجتمعات منغلقة، وأخرى منفتحة. الأولى ترفض الاختلاف الديني والسياسي والفكري والاختلاف في الزي والعادات، والمجتمعات المنفتحة تقر بتلك التباينات وترعاها.
لو تدبرنا قليلا وسألنا: ما هو المجتمع الأفضل أو الأمثل؟ أهو المنغلق أم المنفتح؟ أو: هل هو المجتمع المتجانس أفراده أم المختلف أفراده؟ لو ألقينا نظرة على تاريخ المجتمعات لألفينا الحقيقة التالية: ليس هناك مجتمع أو حضارة متطورة على مر التاريخ لم تكن «اختلافية».. بل إن الأكثر تطورا هو الأكثر إقرارا بالاختلاف. والاختلاف الحضاري يشمل التنوع العرقي والتعدد المذهبي والتباين الفكري.. وهي لا تهدد الوحدة الوطنية، بل العكس تعززها وتؤدي في النهاية لتطوير المجتمع في شتى المجالات.
لا أقول إن «الاختلاف» هو سبب التطور.. ولا نتيجة له.. بل هو «سر» التطور. وبعبارة أخرى: لا يمكن لمجتمع أن يكون متطورا وفي الوقت عينه متجانسا وأفراده كأنهم نسخ مكررة من بعضها. فإذا أخذنا مجتمعا يكون الأقلية فيه محرومين من حقهم في الاختلاف عن الأغلبية، فإن أولئك القلة سيشعرون بالظلم ولن يكون الوطن وطنهم، بل وطن الأغلبية، وحسبنا بهذا الشعور تهديدا للوحدة الوطنية. فالوحدة الوطنية الحقة لا تقوم على التجانس بل التباين. وكل سعي يقوم به «المختلفون» من أجل إقرار حقهم في الوجود لا يعني خيانة للوطن ولا للناس. بل هو حق بسيط وطبيعي. وفائدة عظيمة للوطن. ومن يقف ضد الاختلاف، فكأنما يقف دون أن يشعر ضد وطنه ورقيه واتحاده.
أخيرا.. الاختلاف أو التباين لا يعني الفوضى.. بل العدالة والحرية. فلي مثلا الحق في أن أعتقد بما أشاء وألبس ما أشاء وأتزوج من أشاء دون تدخل من «الآخرين».. بشرط ألا يكون حقي في الاختلاف على حساب حقوق الآخرين. فلا تعتقد كما تشاء بأفكار إرهابية.. لأنها في النهاية تهدد المجتمع بكافة أطيافه. فحدود الاختلاف لو لاحظنا هي نفسها حدود الحرية.. فمادام المختلف عني لا يهدد حريتي وحياتي وحياة أهلي وأمن وطني.. فلمَ الخوف؟ هناك بعض التأويلات الشاطحة التي ترى ــ مثلا ــ أن ارتداء أزياء مخالفة للزي التقليدي قد يهدد الوطن وثقافته.. وهذا تأويل لا قيمة له، وهو مجرد وساوس لو أطعناها لظلمنا الناس كلهم.
الاختلاف ــ ببساطة ــ ليس مجرد الإقرار بأن الناس مختلفون.. إنما احترام الناس المختلفين واحترام اختلافهم. والاحترام ــ بدوره ــ ليس الحب والشفقة.. بل الإيمان بحق الآخرين وحريتهم في الاختلاف و «ممارسته».
في الحقيقة أن الاختلاف يتفاوت في أهميته تبعا للموضوع أو الشأن المختلف فيه. فالاختلاف في الطعام بين الناس شيء هامشي ولا يشكل قضية رأي عام.. ولكن الاختلاف في الدين أو التوجه السياسي أو المذهب الفكري له أهمية عظيمة في المجتمعات. ومن هنا فإن المجتمعات تنقسم بناء على إقرارها أو رفضها لهذا النوع من الاختلاف إلى قسمين: مجتمعات منغلقة، وأخرى منفتحة. الأولى ترفض الاختلاف الديني والسياسي والفكري والاختلاف في الزي والعادات، والمجتمعات المنفتحة تقر بتلك التباينات وترعاها.
لو تدبرنا قليلا وسألنا: ما هو المجتمع الأفضل أو الأمثل؟ أهو المنغلق أم المنفتح؟ أو: هل هو المجتمع المتجانس أفراده أم المختلف أفراده؟ لو ألقينا نظرة على تاريخ المجتمعات لألفينا الحقيقة التالية: ليس هناك مجتمع أو حضارة متطورة على مر التاريخ لم تكن «اختلافية».. بل إن الأكثر تطورا هو الأكثر إقرارا بالاختلاف. والاختلاف الحضاري يشمل التنوع العرقي والتعدد المذهبي والتباين الفكري.. وهي لا تهدد الوحدة الوطنية، بل العكس تعززها وتؤدي في النهاية لتطوير المجتمع في شتى المجالات.
لا أقول إن «الاختلاف» هو سبب التطور.. ولا نتيجة له.. بل هو «سر» التطور. وبعبارة أخرى: لا يمكن لمجتمع أن يكون متطورا وفي الوقت عينه متجانسا وأفراده كأنهم نسخ مكررة من بعضها. فإذا أخذنا مجتمعا يكون الأقلية فيه محرومين من حقهم في الاختلاف عن الأغلبية، فإن أولئك القلة سيشعرون بالظلم ولن يكون الوطن وطنهم، بل وطن الأغلبية، وحسبنا بهذا الشعور تهديدا للوحدة الوطنية. فالوحدة الوطنية الحقة لا تقوم على التجانس بل التباين. وكل سعي يقوم به «المختلفون» من أجل إقرار حقهم في الوجود لا يعني خيانة للوطن ولا للناس. بل هو حق بسيط وطبيعي. وفائدة عظيمة للوطن. ومن يقف ضد الاختلاف، فكأنما يقف دون أن يشعر ضد وطنه ورقيه واتحاده.
أخيرا.. الاختلاف أو التباين لا يعني الفوضى.. بل العدالة والحرية. فلي مثلا الحق في أن أعتقد بما أشاء وألبس ما أشاء وأتزوج من أشاء دون تدخل من «الآخرين».. بشرط ألا يكون حقي في الاختلاف على حساب حقوق الآخرين. فلا تعتقد كما تشاء بأفكار إرهابية.. لأنها في النهاية تهدد المجتمع بكافة أطيافه. فحدود الاختلاف لو لاحظنا هي نفسها حدود الحرية.. فمادام المختلف عني لا يهدد حريتي وحياتي وحياة أهلي وأمن وطني.. فلمَ الخوف؟ هناك بعض التأويلات الشاطحة التي ترى ــ مثلا ــ أن ارتداء أزياء مخالفة للزي التقليدي قد يهدد الوطن وثقافته.. وهذا تأويل لا قيمة له، وهو مجرد وساوس لو أطعناها لظلمنا الناس كلهم.