-A +A
عبدالله الحارثي
قبل سنوات مضت، تردد في صالة تحرير هذه الصحيفة شاب في مقتبل العمر، يحمل الكاميرا ويحرص على العمل الميداني، إن تعددت المهمات، لا يكل ولا يمل لأنه عاشق لمهنة التصوير، وسرعان ما توارى عن الأنظار فجأة ولم نعد نراه.
بالأمس، توقفت أمام مكتب عقاري، شاهدته يرمقني بنظراته، ولسان حاله يكاد ينطق ويخبرني بأنه زميلنا المصور الذي لم يمض في مهنة المتاعب سوى أشهر معدودات واختفى حيث معشوقته الثانية التي سرقته من هوايته الأصلية، ووجدها بوابته الرئيسة نحو الاحتراف في مجال العقار والاستثمار وتكوين حياته بعيدا عن هموم الصحافة التي ربما رآها لا تسمن ولا تغني من جوع.

تجاذبت معه الحديث، ووجدته ملما بما يدور في الصحافة ومتابعا جيدا للأحداث، وكأنه ممارس للعمل ولم ينقطع عن هوايته التي يزاولها بطريقته الخاصة، لكنه وجد المستقبل أمامه ليس في الكاميرا، بل في عمل يحقق له أهدافه التي يبنى فيها مستقبله.
هذا الشاب يطرح نموذجا للأجيال بأن شق طريقه نحو النجاح مثلما نقول من الصفر، ودخل الاستثمار من بوابة العقار ووصل به الحال أن أصبح مسوقا ومقاولا ومكافحا لما لمسته فيه من طموحاته الكبيرة وأفكاره النيرة وامتزجت بدماثة الخلق وسرعة البديهة.
كان الحديث معه ممتعا، وقد شاركني أصدقاء وشركاء له يشخصون واقع السوق العقاري ومعاناتهم مع بيروقراطية الإجراءات وتعثر بعض المشاريع وتطلعاتهم المستقبلية للقضاء عليها في المرحلة المقبلة، واصفين العمل في مجال المقاولات بأنه سوق مفتوح لترويج الصالح والطالح ويكثر فيه الغش والتدليس والبيع التجاري (كما يصفونه)، لكن فئة أخرى يرونها تعمل للحفاظ على اسمها وسمعتها في السوق وتحرص على تشييد المباني والوحدات السكنية بمكاسب مناسبة وجودة عالية.
وبين هذا وذاك، فإن واقع العقار أمر يندى له الجبين، فالمنازل المعروضة للبيع كثر وبداخلها أناس يعملون لا يملكون الخبرة، وتنفيذها عشوائي بعيدا عن التخطيط، وهدفهم التسويق وجنى الأرباح، تلك الوحدات ينطبق عليها «من برا الله الله، ومن جوه يعلم الله»، ولو أمعنا النظر في مشاكل الوحدات السكنية لوجدنا أن عيوب الإنشاءات والسباكة والكهرباء باتت محط أنظار اللجان المختصة، وباستعراض سريع، فإن قضايا «شقق التمليك» التي شغلت أروقة المحاكم في الأعوام السابقة، عجزت اللجان العقارية في الغرف التجارية وشرط المناطق عن تسويتها، وأحيلت للقضاء لحل النزاعات بين الملاك والمقاولين وبين الملاك بعضهم البعض.
هذا النشاط يحتاج فعليا إلى تنظيم قانوني يكفل حقوق المقاولين والمطورين والملاك وينظم العلاقة فيما بينهم، ولا بد أن يقترن بضمانات رسمية قبل عمليات البيع للحد عمليات الغش من جانب، وتوضيح حال العقار للمشتري من جانب آخر؛ لتلافي أنواع الضرر؛ لأن الحالات المعروضة في المحاكم ثبت في بعضها الغبن والتدليس ومزاولة الغش بهدف التربح، وتم بموجبها إعادة تثمين تلك العقارات وصدور أحكام تدفع الضرر وتعيد الحقوق لأصحابها.
امتلاك المسكن حلم العمر لكل إنسان، والبسطاء يتكبدون عناء القروض والأقساط والديون لتحقيقه، ولا بد من حماية أحلامهم من العبث بها أو ضياعها.