-A +A
احمد عائل فقيهي
في البدء، ينبغي الاتفاق على أهمية قراءة جذور التطرف قراءة علمية وفاحصة؛ من أجل الوصول إلى نتائج على ضوئها تتم معالجة قضية التطرف.. ذلك أن التطرف ليس حالة واحدة.. إنه يتعدد بتعدد الأشكال والألوان وحسب الذهنية التي تحمل فكرة التطرف، كونها فكرة معادية لأي اختلاف، فهناك التطرف الفكري والديني والطائفي والتعصب الرياضي الذي يمكن أن يتحول إلى تطرف أيضا.. ولكن أخطر أنواع وأشكال التطرف هو التطرف الديني.. ولا شك أن ذلك التطرف يستند على فهم خاطئ للنصوص الدينية ومحاولة تأويلها وقراءتها وفهمها نتيجة التأويل الخاطئ والقراءة الخاطئة والفهم الخاطئ.. ومشكلة الخطاب الديني المتطرف أن الذين يستخدمونه في مخاطبة الآخرين يعتقدون بأنهم يملكون الحق ويحتكرون الحقيقة، ولذلك كان هذا الخطاب هو المبرمج للذهنية الاجتماعية على مدى سنوات طويلة.
لابد أن نكرس مفهوم الوطنية بالمعنى الشامل والعميق لمفهوم الوطنية، وجعل المواطنة حالة عامة لا فرق بين منطقة وأخرى من أجل إيجاد وحدة وطنية فكرية ووجدانية تتجاوز الوحدة الترابية العظيمة؛ لأن الوحدة الوطنية الفكرية والوجدانية هي مرتكز الوحدة في أبعادها الكبيرة.
والمواطنة ينبغي أن تكون من الأسس الرئيسية في بناء هرم المواطنة وجعل الحوار هو بوصلة الدخول إلى العالم من خلال العلم والتفكير العلمي بالعقول التي تفكر من خلال علوم العصر لا العقول المفخخة والذهنية المتطرفة.. ذلك أن الوطن بحاجة إلى فكر مدني وذهنية مدنية تتصل بالحياة المعاصرة.
علينا أن نحمي هذا الوطن العظيم من خلال قيمة المواطن، وأن هذا المواطن هو الثروة الحقيقية، ذلك أن بناء عائلة قوية ومتماسكة ومتعلمة هو فاتحة ومقدمة لبناء وطن قوي ومتعلم ومتماسك، ولكي نحمي الوحدة الوطنية من آفة التطرف والتشدد لا بد من تكريس ثقافة الانتماء والوعي الوطني العالي، ومن ثم تكريس تعميق مفهوم السلم الاجتماعي وتقديم خطاب يقوم على القيم الدينية السليمة والصحيحة والمضيئة وإعادة النظر في المناهج والعملية التعليمية وخلق نموذج للمعلم والمعلمة، ولكي نحمي الوحدة الوطنية من المخاطر ينبغي الالتفات إلى الأجيال الجديدة الطالعة، إذ إن الرهان على الأجيال الجديدة والطالعة هو ما سوف يصنع وطنا جديدا ومختلفا من خلال المجتمع القائم على التعددية الفكرية والاجتماعية.
إن تجديد الخطاب الفكري أصبح ضرورة وغاية، وكما قال المفكر المغربي الراحل الدكتور محمد عابد الجابري: «إن التطرف يعمي صاحبه ويحجب عنه الحقائق الموضوعية ويجعله ينظر إلى العالم نظرة سحرية، وبالتالي يصبح التطرف تحكمه هذه النظرة السحرية».
إن التطرف لا بد من قراءته ومعالجته بنظرة عميقة وعملية لا بنظرة عمياء، مع الإيمان بأن التطرف حالة عامة وليس خاصة بعينها.. فهناك الليبرالي المتطرف والحداثي المتطرف والمتدين المتطرف.. والرياضي المتطرف..
إن التطرف له عدة وجوه وليس وجها واحدا فقط.

a_faqehi@hotmail.com