-A +A
? نصير المغامسي (جدة)
لوكانت الاحياء القديمة اشخاصا لما تجرأ البعض أن يطالها بالقذف والبهتان كما هو حال «البخارية» أحد اشهر اجزاء حي الهنداوية العريق في جدة. فهذا الحي تناوله الاعلام مرات عدة بوصفه موقعا للانحرافات والمخدرات والسرقة، وهو ما لا يجب ان ينحصر في حي بعينة حتى وإن شهد تبدلات في اوضاعه وتركيبته السكانية. هكذا يدافع السكان عن حيهم العريق.


البخارية هي المنطقة الممتدة من «سوق اليمنه» غربا وحتى «سوق الخيمة» شرقا وتمتاز حاليا بتواجد كبير للجالية الافغانية ولمهنهم التي يبرعون بها. ويقال إن تسمية هذه المنطقة محدودة المساحة بـ«البخارية» يعود الى مدير شرطة جدة الاسبق ابراهيم البرزنجي حيث اطلقها مع بداية السبعينيات الميلادية حين تسلم مهامه الامنية.
عمدة الحي السابق أحمد محمد الكناني يرى غير ذلك، فيشير الى أن سبب التسمية لا يعود الى شخص أو الى تاريخ محدد وانما الى تعارف أهالي محافظة جدة لهذه المنطقة لوجود الجالية البخارية التي سكنت المنطقة منذ ما يقارب الستين او السبعين عاما تقريبا، وظلت حرفهم التي عملوا بها هي السائدة على طابع الحي الذي يتسم بالهدوء والسكينة. وقال الكناني: الانطباع عن الحي بأنه مأوى للمارسات الخاطئة غير واقعي، ولربما كان ذلك بسبب الحاق بعض المناطق المجاورة ضمن نطاق الحي الاداري للعمودية حيث امتدت البخارية الى الشارع الرئيسي والمحتضن لـ«سوق اليمنه».
اعتقاد خاطئ
العمدة السابق يواصل: هناك اعتقاد خاطئ ايضا بأن من يقطنون الحي الان هم من الجنسية البخارية وهذا غير صحيح فالجالية البخارية نزحت مؤخرا عن الحي وبقي منهم عدد قليل في بعض المنازل والمحال التجارية في الحي.
ويقول الباحث رزان باي أوغلو البخاري ان البخاريين جماعات من الترك، ومعظمهم من الأوزبك والأويغور الذين هاجروا من بلادهم باتجاه البلاد العربية، لعدة مراحل وعدة أسباب. ليستقر بعضهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، رغبة في مجاورة بيت الله، ومحبة في رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما سبب تسميتهم بالبخاريين، ففيه تأويلان:
الأول أن الاسم أطلق عليهم تيمناً ونسبة إلى الإمام «محمد بن إسماعيل البخاري»، صاحب «الصحيح»، وذلك أنهم أتوا من بلاده التي ولد ومات ودفن فيها.
أما الثاني: فهو نسبة إلى إمارة بخارى الإسلامية التي كان آخر حكامها الأمير «عالم خان» وهو من الأسرة المنغيتية التي يرجع نسبها إلى «جنكيز خان». وأضاف: يتواجد البخاريون في عدة دول عربية، وغير عربية. وأكثرهم يتواجد في المملكة، فبالإضافة للمهاجرين من القدماء الذين سكنوا مكة والمدينة، انضم إليهم إخوان لهم في بدايات القرن العشرين، حيث اختار كثير من البخاريين السكنى في الطائف، لقربها من مكة المكرمة ولاعتدال جوها ومناسبته لما اعتادوا عليه في بلادهم الباردة، ومنهم من اختار الإقامة في جدة كونها بوابة الحرمين، والمركز التجاري الرئيس لهذه البلاد، لذا توجد في جدة والطائف حارتان تعرفان اليوم بنفس الاسم «حارة البخارية». أما أشهر الدول التي استوطن بها البخاريون بعد ذلك فيأتي الاردن في الريادة، حيث اسس البخاريون في العاصمة عمان منذ العام 1934 سوقا للتحف الشرقية والمشغولات اليدوية، عرف باسم «سوق البخارية»، وذلك على يد كمال الدين البخاري الذي استقر بعمان عند عودته من أداء مناسك الحج.
منتو ويغمش
لا تخرج يوميات الافغان او «البخاريون» عن بيع اواني الفخار والاطعمة والسجاد وبعض المشغولات التي امتهنوها مؤخرا والمصنوعة من الالمنيوم. ولعقود خلت اشتهر حي البخارية ببيع المنتو واليغمش، الى جانب بيع التميز الافغاني وبيع الاواني الفخارية.. واللافت في هذا السياق أن الحركة الاقتصادية التي يعج بها الحي لا تهدأ كثيرا، وهو الامر الذي يتسبب في عرقلة حركة السير في الشارع الرئيسي الذي يقسم المحال التجارية الى قسمين.
فلا تجد من تلك الشائعات عن السرقة والادمان وعن الانحراف الاخلاقي غير عربات البضائع والمتسوقين.. المهم في ذلك أن مشهدهم اليومي يرسم للرائي لوحة من الجد والعمل، ليس من بينها ريبة تشير الى حي البخارية بأي اتهام.
أبناء عمومة وأشقاء
يواصل العمدة السابق لحي البخارية أحمد محمد الكناني ويضيف: ساكنو الحي من الافغان او حتى من البخارية ما زالوا يزورون الحي لمتابعة اعمالهم او لمواصلة ارحامهم، ويمتازون في الاساس بالترابط الاجتماعي ويعاونون بعضهم فتجد محالهم التجارية متجاورة، ومن يقومون على شؤونها هم من ابناء العمومة او الاشقاء، مضيفا: من الصعوبة بمكان ان يتخلل هذا النسيج الاجتماعي أي اختلالات وان وجد في احدهم من ذلك شيء.. فلا ينبغي أن يعمم ذلك على كافة المقيمين والعاملين في الحي. وقال الكناني: حي البخارية تحيط به العديد من الاحياء المجاورة بالاضافة الى انه في الاساس شارع رئيسي رابط بين «شارع التلفزيون» شرقا، و«كبري الستين» غربا المتسم بالكثافة المرورية والذي تتخلله عدة منشآت ومراكز تسوق مثل سوق الخيمة التجاري، ولذا لا يمكن أن نقصر أي تصرف سلبي قد يشاهد في الحي على القاطنين فيه.
كاميرا «عكاظ»
حاولت «عكاظ» تتبع ورصد أي مظاهر عما يقال عن البخارية.. باعتبار أن «ليس هناك دخان من غير نار»، لتصل الى تجمعات متفرقة.. قيل انهم بائعو مخدرات، وآخرين ارتسمت على وجوههم معاناة الادمان، الا أن كل ذلك كان خارج نطاق «البخارية».
يقول أبو محمد: اقيم في هذه المنطقة منذ 30 عاما، منها عشرة اعوام في حي البخارية، واستغرب البحث فيها عن مواطئ قدم للمروجين او المنحرفين، صدقني لن تجد ذلك هنا.. وان وجدت فهم عابرو سبيل.