-A +A
عبدالله الحارثي
أجمل ما في الحياة اكتشاف الأصدقاء ومعرفة معادنهم، والأسوأ فيها الصدمة بمن حولك وحتى أقرب الناس إليك ومن كنت تظن أنهم الصفوة.
الأشقاء المصريون لديهم مثل مشهور: «تعرف فلان، أيوه طبعا، عاشرته، لا…، يبقى متعرفوش»، ولكننا في زمننا الحاضر نعرف بعضنا البعض ونرتبط معهم بعشرة وصداقة وزمالة وغيرها، والمحصلة كما بدأت أننا نصدم بواقع هذه الصداقة.

قديما كان الأجداد والآباء يرددون: «معرفة الناس تجارة» ونحن توارثنا هذا وأصبحنا نغتر كثيرا بمثل هذه العبارات، والناس مواقف، ومثلما يقال: «الصديق وقت الضيق»، ولو طبق كل فرد منا في حياته هذه النظريات لوجد البعض ينفر من حوله، إما بإرادته أو بإرادة الموقف الذي ستضعه فيه.
يذكرني أحد الأصدقاء بأنه وضع رفاقه على المحك في اختبار لاكتشاف معادنهم ومعرفة نوعياتهم، وخصوصا الذين فتح لهم قلبه قبل بيته وكانوا يتقربون له بحكم المنصب والرصيد والجاه، ووضع النوتة أمامه وبدأ بالاتصال بهم واحدا تلو الآخر، يبلغهم أنه تعرض لخسائر فادحة ويحتاج وقفتهم إلى جانبه، وصعق بالردود التي وقعت على مسمعه «انت عارف العين بصيرة واليد قصيرة، يا ليت عندي وافزع لك، أنا ورطان مثلك لا تشكي لي أبكي لك، أهم شيء صحتك كل شيء يتعوض، وسيل من الأعذار المقرونة بالدعاء»، حتى الذين أقرضهم اختلقوا الأعذار وطلبوا الصبر ريثما تفرج عليهم.
هذه الشرائح من الأصدقاء ينطبق عليهم قول الشاعر:
أحبابنا اللي جفونا من بعد خلو الجيب..
لابد ما نغتني يا رفاقه والفقر ما هو عيب..
أنا عاشرت الأمرد والمدقن واللي دقه الشيب..
ما لقيت إلا ثلاث ساترات العيب..
العفو والعافية والفلوس في الجيب..
وزادوا عليها «ولقيت ما يستوي رفق إلا بملي الجيب».
تسمع من حكايات الأصدقاء ما يندى له الجبين، فئات منهم تجد وقفاتهم أكثر من وقفة الأخ إلى جانب أخيه، وفئات أخرى تندم على أنك عرفتهم أصلا ذات يوم، وسرعان ما يتخلى عنك وبالذات وقت الشدائد، حتى لو مرضت فلن يعودوك وسيضعون أعذارا واهية تبرر قصورهم، ومنهم فئات لو وجدوا فرصتهم لتسلقوا على ظهرك لتحقيق مكاسبهم وتقول في قرارة نفسك: «لا تقرصيني يا نحلة وما أبغى لك عسل»، وستتخلى عن كل أنواع الصداقة المزيفة التي تكشر عن أنيابها.
دائما نعلق عيوبنا على شماعة الحياة ونقول الحياة متغيرة وفيها وفيها، رغم أن الحياة لا تتغير، بل نحن من يصنع التغيير فيها ونحن كبشر نسيء لهذه الحياة ونعيب عليها والعيب فينا، فهل تراجعنا عن الأخطاء الفادحة التي نرتكبها في حق أنفسنا في المقام الأول ومن ثم في حق غيرنا ومن هم حولنا، ونحقق فيها معنى الصداقة، فالصديق هو من صدقك القول والفعل، وليس من الصعب أن تضحي من أجل صديق، ولكن من الصعب أن تجد الصديق الذي يستحق التضحية.