-A +A
عبدالمحسن هلال
من إيجابيات عاصفة الحزم أنها أبانت قدرتنا القديمة الجديدة على الإيلاف وبناء التحالفات، وفيها ميزة لنا عن كثير من الدول نظرا لموقعنا الاستراتيجي إسلاميا وعربيا وماليا، وكممر عالمي للتجارة وممول رئيس للنفط، وعدة اعتبارات أخرى. تحركت مفصليات حركتنا السياسية والدبلوماسية ونشطت مفاعيلها قبيل وبعد عاصفة الحزم، ومازالت تموج بالحركة، كمثال خلال يومين فقط التقى خادم الحرمين الشريفين برئيس أذربيجان، ولي العهد استقبل سفير قيرغيزيا، ولي ولي العهد في تركيا، رئيس تركيا في إيران، واللقاءان الأخيران ملفتان للنظر بحصولهما عكس ما كان سائدا عن صعوباتهما، وهي حركة مباركة بإذن الله وآمل ألا تقتصر على فترة الحرب.
السياسة، الدبلوماسية تحديدا، تعترف بكل ألوان الطيف لكنها ترفض اللونين الأساس الأبيض والأسود، ليس فيها طيب محض أو شرير خالص، فيها مفيد وغير مفيد، وحتى هذه متغيرة بطبعها. السياسة لا تعترف بالجمود والنمطية، دبلوماسيتها كائن حي يعيش ويتنفس وينمو بيننا، ليست مصطلحات، وإن حفلت بها أدبياتها، بكل ابتسار ممكن هي ممارسة وفعل وحركة، ليست فن الممكن، كما يدعي الاستسلاميون، بل تجيير واستخدام الممكن لتقريب المستحيل، ليس فيها واقع، كما يسلم الواقعيون، بل محاولات دؤوبة لتغييره إلى واقع جديد مطلوب، ليس فيها عداوات أو صداقات دائمة ولا حتى مصالح ثابتة، بل هي تستخدم كل ما سبق لفرض واقعها الذي تريد المتولد عن رؤية استشرافية استراتيجية تأخذ الواقع بعين العقل وتدرس احتمالات تدويره وتغييره للحفاظ على مصالحها العليا أو دعمها وتوسيعها.

انفتاحنا على تركيا بعد كل التأزيم السابق، وزيارة رئيس تركيا لإيران برغم تعاكس المواقف بين البلدين في سوريا وفي اليمن، يعطي مثالا لواقع سياسي معاش، حيث في السياسة يمكنك التعامل حتى مع عدوك، أمريكا كانت تفاوض الفيتناميين وتحاربهم في ذات الوقت، تشرشل كان مستعدا للتحالف مع الشيطان ضد هتلر، مما دفع كثيرين للقول إنها لا تعترف بعلم الأخلاق، وحين تفاوض أو تبني تحالفا فأنت تحارب بطريقة أخرى، والجنرال الفرنسي كليمنصو عرف المفاوضات تحديدا بأنها ممارسة للحرب بسبل أخرى. وتعتبر إيران عدوا لنا مرحليا، لكنها عدو قابل للتفاوض، ولا يمكن مقارنتها (بإسرائيل) فهذه عدوة وكيان غاصب لا تفاوض معها ولا تطبيع، عداؤنا المرحلي مع إيران قد يكون صراعا حول حدود ونفوذ، لكنه مع الكيان المحتل صراع وجود.