-A +A
حمد عائل فقيهي
(1)
تحولت فلسطين في العقل الغربي إلى أرض ترتبط ارتباطاً جذرياً بتلك الأرض الموعودة لشعب مختار هو الشعب اليهودي، والذي عزّز ذلك الاعتقاد- الذي تحول إلى عقيدة- الاتكاء على النص الديني التوراتي الذي خلق علاقة وهمية بين النص والمكان، ويرى الكثير من المؤرخين والباحثين بما فيهم من يسمون بالمؤرخين والباحثين الجدد داخل إسرائيل نفسها وخارج الدولة اليهودية بعدم تاريخيتها وحقيقتها أي أنها حقائق منسوجة من المخيلة الغربية التي صاغت وعبر أكثر من مائة سنة ذلك الاستيطاني أو ما يسمى اليوم بـ«دولة إسرائيل».

لقد صاغت وصنعت تلك المخيلة الغربية الاستعمارية وهم الدولة الوهم عبر ما قيل في الأدبيات السياسية الغربية بالبحث عن وطن قومي لليهودي الضائع والتائه في هذا العالم، وهو ما يؤكد أن صناعة الوهم قد تتحول إلى حقيقة وأن صياغة الوهم قد تحيل إلى وجود دولة حتى ولو من العدم عبر قوة النص القائم على الأساطير التوراتية وهو ما يؤكده المفكر الفرنسي المسلم روجيه جارودي في كتابه المثير عن «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل».
ولأن إسرائيل المؤسسة أصلا على التفكير العسكري والتي تحمل مشروع الدولة ولأنها تعاني من عقدة وجود التاريخ وحضور الهوية ولأن الجغرافية ممثلة في الأرض هي جغرافيا مسروقة وباعتراف من يسمون اليوم بالمؤرخين الجدد تبدو الحالة الإسرائيلية سياسيا وثقافيا واجتماعيا في حالة بحث عن الذات.
(2)
على هذه الخلفية التاريخية تبرز أزمة المثقف ومأساة السياسي وعضو الكنيست السابق د.عزمي بشارة الذي يعتبر أحد أبرز العقول الفلسطينية والعربية اليوم وأحد المدافعين عن فلسطين الإنسان والأرض والتاريخ، هذا الرجل الذي هو نتاج «الهوية» المتشظية وهي ناتج أيضاً للثقافة الواقفة بين لحظة الاقتلاع ولحظة الدفاع عن تلك الثقافة وتلك الهوية.
(3)
إن أزمة عزمي بشارة هي امتداد لأزمة المفكر الراحل د.إدوارد سعيد الذي كان يمثل الوجه الناصع للمثقف العربي في تجلياته المختلفة العلمية منها والفكرية والثقافية وتحديداً في أدواره السياسية التي تجلت وتمثلت في دفاعه ومرافعاته عن قضيته العادلة وسجَّل بذلك مواقف كبيرة وجليلة من داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
إن أزمة د. عزمي بشارة مع الكيان الصهيوني هي أزمة كل المثقفين والمبدعين الفلسطينيين وهي تعبير عن أزمة «إسرائيل» نفسها بوصفها كياناً هشاً والذي يزعجها ارتفاع صوت مثقف بأهمية عزمي بشارة.
إنها المسألة الإسرائيلية التي تبحث اليوم في هويتها ووجودها معاً، عبر الصدام مع عرب الداخل والمعبّر أيضاً عن صدام الهوية/ الأصل، مع الهوية الزائفة والتي لا علاقة لها لا بالأصل ولا بالجذور.
a_faqehi@hotmail.com