على الرغم من انشغال قواتنا المسلحة ورجالنا البواسل بالدفاع عن الوطن من غدر الميليشيات الحوثية إلا أن عيونهم التي تراقب المسلحين لمنعهم من أي محاولات يائسة للتسلل لم تغفل لحظة واحدة عن خطط المهربين، الذين راحوا يتواءمون مع الظروف الراهنة بتكثيف استغلالهم للأطفال الأحداث، لتهريب الممنوعات خاصة القات المخدر.
ويعتقد قائد حرس الحدود في الطوال العقيد صالح العمري أن غياب الأنظمة الرادعة وضعف العقوبات تجاه (الأحداث) اليمنيين المقبوض عليهم في تهريب القات المخدر ربما ساهم في استغلالهم من قبل الكثير من المهربين، إلى الدرجة التي ربما يقبض فيها على (طفل) أكثر من مرة في اليوم الواحد، إذ أنه لا يخضع في حال ضبطه سوى لأخذ البصمة وإعادته إلى بلاده.
من هنا دق العقيد العمري ناقوس الخطر من الاستمرار في عدم وجود أنظمة وضوابط وعقوبات تحد من كثرة استغلال الأطفال اليمنيين (الأحداث) في تهريب بعض الممنوعات، خاصة القات المخدر، مطالبا بسرعة توفير أنظمة تكفل عقوبات رادعة للتصدي لهذا الأمر، مقترحا أن تتم معاملة هؤلاء الأطفال معاملة من يقبض عليه من الأحداث السعوديين من هم في مثل أعمارهم، وذلك بتطبيق العقوبات عليهم، حتى لا يتحول هؤلاء الأطفال مع الأيام إلى مجرمي تهريب يحملون فوق ظهورهم بدلا عن القات مواد متفجرة أو أسلحة.
مغامرات المهربين ويكشف قائد حرس الحدود في الطوال أن المهربين في هذه الأحداث يضحون بالأطفال في محاولة تهريب الممنوعات والمهربات، وهم بالطبع لا تهمهم لا أرواح الكبار ولا الصغار، فيدفعون بالأحداث إلى الأودية المحاذية وأشهرها ثلاثة، وادي تعشر وابن عبدالله والملح، لكن جنودنا البواسل بفضل من الله، في ظل مراقبتهم للحدود كلها، يقفون بالمرصاد لكل كبير وصغير، وعدم تمكينهم من تجاوز الحدود أو إدخال الممنوعات إلى الوطن الغالي، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في منع الكثير من المهربات وتوقيف الكثير من الأطفال المستغلين من قبل المهربين، وإعادتهم إلى بلدانهم.
(عكاظ) التقت العشرات من الأطفال اليمنيين الذين حاولوا اختراق الحدود، وهم لا يدركون مخاطر تصرفهم، ولا يعتقدون أن عملية القبض عليهم في مرمى البصر، وأنهم لا يمكن أن يتمكنوا من تجاوز الحدود بأي شكل من الأشكال،
واعترف أكثر من 30 طفلا أكبرهم في الثالثة عشرة من عمره، وأصغرهم في السابعة، بأنهم ضحية للعصابات التي زجت بهم وبحوزتهم القات المخدر.
سداد ديون الأب
وكان لافتا للنظر أن وراء كل طفل قصة، فالطفل عبدالله حسن، الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، سبق له محاولة التسلل أكثر من مرة، وفي كل مرة يتم القبض عليه، وإعادته، ليكرر المحاولة مرة أخرى، ولكن المؤلم أنه يعود بكمية قات أكبر من الأولى، في محاولة لتعويض ما فقده في المحاولة الفاشلة الأولى، سألناه عن سبب تكرار محاولات الفشل، فأجاب بعفوية الصغار: والدي هو السبب، ففي كل مرة أعود فيها إلى بيتنا في اليمن، وبدلا من أن يحتضنني والدي، أجده يردد علي القول ساعدني في سداد ديوني التي تزيد عن ما يعادل آربعة آلاف ريال سعودي، وأنت الوحيد القادر على المساعدة، في ظل عدم تعرضك لأية مضايقات أمنية من رجال الأمن السعودي في حال القبض عليك، لأنهم حتما سيتعاملون معك بلطف، ولن يؤذوك بأي شكل من الأشكال، وكل ما في الأمر إن فشلت أعادوك سليما معافى، وإن نجحت حققنا الثراء، وليس أمامي سوى الإذعان لرغبة والدي حتى أقضي الدين عنه.
وعلى ذات الخطى يسير الطفل عبده أحمد الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، كاشفا عن تفاصيل دخوله في عالم تهريب القات، وقال: جئت عن طريق أحد أصدقائي الذي طلب مني مرافقته إلى المملكة، وبحوزتي 30 حبة قات، مقابل الحصول على 300 ريال فقط.
ولم يجد الطفل يحيى علي، ابن السابعة من عمره، طريقة للنفاذ إلى الداخل، للمرة الثانية، ليجد نفسه أمام رجال القوات المسلحة، مقبوضا عليه وبحوزته القات المخدر، وقال: حاولت في المرة الأولى وفشلت، وهأنذا أعيد المحاولة، وأفشل، وممكن أن أكررها مرة أخرى.
ويمثل الطفل عبدالله بكر، ابن الثالثة عشرة، رقما قياسيا في عمليات التهريب، إذ تم القبض عليه أكثر من 30 مرة، وفي كل مرة يعود إلى بلاده، يفكر في طريق العودة، ويقول: ظروفي المادية قاسية وليس أمامي سوى التهريب، وسأستمر حتى تتحسن ظروفي المعيشية، عندها أبتعد عن تهريب القات.
ويعتقد الطفل دحمي علي، الذي لم يتجاوز عمره 12 عاما، أن تهريب القات هو أسهل طريقة للحصول على المال، موضحا أنهم يتنافسون في عدد مرات التهريب، وعدد حمل أنواع القات، حيث يتقاضون المال بحسب نوعه بواقع 20 إلى 50 ريالا سعوديا للحبة الواحدة. لكن الصبية يعرفون جيدا أن المعاملة الحسنة التي يجدونها من الجنود البواسل، الذين يتقيدون دائما بالأنظمة والقوانين، ربما هي الحافز والمحرض لعودتهم مرة أخرى.
ويعترفون أن بعض أقرانهم الأحداث هم السبب الآخر في تحريضهم على المحاولة، فيلوحون لهم بالريلات السعودية ويوهمونهم أنها من عائد بيع القات، بعد تهريبه إلى داخل المملكة، وعليهم المحاولة، وهم لا يخسرون شيئا، فالنجاح يعني المال، والفشل يعني العودة إلى أهله قبل أن يحل الظلام، سالما بلا اعتداء أو ضرب أو سجن، ولا خسارة سوى التبصيم - حسب اعتقادهم.
تبادل التهم
لكن واقع التهريب بالنسبة للكبار بالطبع يختلف، إذ عايشت (عكاظ) قبل المغادرة عراكا شفهيا بين مهربين يمنيين، كل منهما يحاول اتهام الآخر بأنه السبب في وقوعه في أيادي رجال الأمن، فالأول يدعى فؤاد حسن يصرخ ويتهم رفيقه الثاني ويدعى عبده أحمد، أنه ضحية له، رغم اعترافه بأنه مهرب قات، داعيا إياه أن يرحم صغاره لأنه ليس مهرب حشيش، ويجب أن يعترف أن الحشيش الذي ضبط بحوزتهما لا يخصه.
وفيما تعالى الصياح، تدخل النقيب عبدالله العمري مدير العمليات بقطاع الطوال، وأبعدهما عن بعضهما، موضحا أن قضيتهما هي قضية تهريب حشيش وقات، وأن كليهما يحاول التنصل من الجريمة، مؤكدا أنهما سيعترفان في النهاية، مشيرا إلى أن رجال حرس الحدود بالمرصاد لكل من يفكر في تجاوز الحدود، ويتابعون كل شبر من أراضي المملكة.