على مرمى حجر، وبالعين المجردة، يمكنك أن ترى بوضوح القرى اليمنية المحاذية لحدودنا الجنوبية، والمواجهة لجبل شهدان في محافظة الداير.
هناك المنازل اليمنية لا تبعد عن الحدود أكثر من 500 متر، لكن أهل تلك القرى كشفوا سوء حالهم، بعدما بدأ الحوثيون يقتربون من منازلهم، مؤكدين أنهم يتعرضون لمخاطر حقيقية وأملهم أن تنقذهم القوات السعودية وتحميهم.
وكشف العقيد ركن إبراهيم شراحيلي قائد قطاع الداير، الذي رافق «عكاظ» في الجولة الحدودية، أن بعض مشايخ القبائل اليمنية الساكنين في المواقع المقابلة لمحافظة الدائر طلبوا منهم الحماية من الحوثيين في حال اقتربوا منهم، وقال: طمأناهم، وطلبنا منهم البقاء حيث يسكنون، وأنه في حال تعرضهم لأي خطر من الحوثيين سنقف معهم ولن نتركهم.
صعدنا إلى قمة جبل شهدان، حيث ارتفاع لا يقل عن 1600 قدم، وكان واضحا أن تسمع أزيز الطائرات، وطلقات المدافع، فيما رجال حرس الحدود البواسل بالمرصاد لأي طارئ. «هذه المنطقة خطرة»، هكذا توصف المنطقة، فهي محاذية بشكل قريب جدا من القرى اليمنية، والتي تستطيع أن تراها بوضوح، فيما يتواجد الحوثيون في بعضها، مما يعني أنه يجب التحوط من غدر الأعداء. سألنا العقيد شراحيلي، عن مدى الاستعداد في هذه المنطقة، فأكد أنه بالرغم من أن المكان محفوف بالمخاطر، لكن رجال حرس الحدود وكما عادتهم في مثل هذه المواقف، لا يهابون الموت، ويواجهون الاعداء المعتدين بشجاعة وبسالة ويسطرون البطولات بدمائهم، يتصدون لكل تلك المحاولات، ويجبرون الأعداء على العودة من حيثوا اتوا.
إلى الأعلى
جبل شهدان هو أحد المواقع التي يتمركز فيها رجال حرس الحدود بمركز ضمد في قطاع الدائر والوصول اليه يتطلب من سالكه التحلي بالصبر والعزيمة وقبل كل ذلك الشجاعة ليس خوفا من تعرضه لإطلاق نار من بعض العابثين والمهربين، وانما لوعورة الطريق وضيقه وخطورته، حتى أن السيارة قد تنحرف وتسقط في الهاوية، في حال كان سائقها غير متمكن أو ليس متمرسا، قد تنحرف وتسقط الى هاوية سحيقة نظرا لضيق الطريق.
كدت أن أعود أدراجي، خاصة بعد أن توقف قائد السيارة لأكثر من مرة بسبب وعورة الطريق، لكن قناعتي بأن هناك رجالا أشاوس يعبرون الطريق يوميا، ويضعون أرواحهم فداء للوطن، مرات في رحلات الذهاب والإياب، ومرات أخرى في البقاء فوق الجبال في خط المواجهة، جعلني ثابتا. وبعد نصف ساعة من الحذر والترقب، وجدنا انفسنا أمام رجال بواسل حملوا فوق اكتافهم الاسلحة المختلفة وتمترسوا كل في موقعه تحت قيادة قائدهم الملازم أول عبدالاله المطيري، وفيما كنا نمني انفسنا بأخذ قسط من الراحة لإراحة ضلوعنا التي لم يبق فيها ضلع واحد إلا وقد اهتز من شدة التأرجح، بفعل هزات السيارة، واذ بأزيز الطائرات واصوات المدافع تنطلق، فيما كانت الشجاعة هي سيد الموقف لأفراد حرس الحدود، والذين لم يرمش لهم جفن، كل في موقعه يتابع أي تحركات طارئة قد تحدث، خاصة أن العقيد شراحيلي، أكد أن هذه المنطقة تعتبر من أخطر المناطق في الدائر، مضيفا: هذه الاصوات التي سمعتها هي اصوات الحق تتصدى لأبواق الباطل فالحوثيون امامنا هنا خلف هذا الجبل ولو قدر لهم أن يجتازوه لما ترددوا أبدا لكنهم يعرفون أنهم سيجدون رجالا بواسل لا يترددون ابدا للدفاع عن وطنهم بكل ما يملكون.
طائرات ومدافع
ركبنا السيارة وبدأنا نشق طريق رحلة العودة واستمر ازيز الطائرات واصوات المدافع وكدت اقول للسائق أن يسرع في القيادة لولا خشيتي من السقوط في الهاوية، واستمر في القيادة حتى بلغنا مركز نقطة حرافية، هناك وقفنا لنتعرف على ملامحها، فالحدود مع اليمن قريبة جدا، ولا يفصلها عنا أكثر من 400 متر، وهي مسافة تعني الكثير بالنسبة للمهربين، والذين قد يستغلونها كمسالك لهم في تهريب ممنوعاتهم، باستخدام العتالين او دواب الحمير.
رأينا الحمير في الواجهة، والتي كانت ترعى في الجبال، ووجدنا ثلاثة اطفال لم يتجاوزوا الحلم، أعمارهم لا تزيد عن الثالثة عشرة، بين قبضة رجال حرس الحدود، بعدما حاولوا تجاوز الأراضي السعودية، بحثا عن دوابهم حسب قولهم.
قالوا لنا إن أسماءهم، عيسي حسين ومعه ابن اخيه عوض موسى، وقريبهم سليمان محمد الذي يشتكي من اعاقة في قدميه، ونفوا لنا أن يكونوا من المهربين، مضيفين: نحن مجرد أطفال، ولسنا بمهربين، وانما نبحث عن الدواب، التي أجرناها لبعض المهربين، والذين فروا من الموقع، بعدما شعروا بمراقبة رجال حرس الحدود.
ويعترف سليمان: نؤجر الحمير بمقابل يتراوح بين 150 إلى 200 ريال للمشوار الواحد، ولا نتدخل في التهريب ولا نعرف طرقه أو حتى نوع البضاعة المهربة.
ولم يتحمل رفيقاه عوض وعيسى، الموقف، فأخذا يتباكيان، مطالبين بالصفح عنهما والعودة إلى أهلهما، عاقدين العزم على عدم تكرار التعامل مع المهربين.
وفي موقع آخر (مركز نيد العقبة) وجدنا أنفسنا مقابلين لبيوت يمنية لإحدى القبائل قيل لنا إنها تسعى بكل ما تملكه من امكانات في التصدي لوجود الحوثيين فيما جاورتها قبيلة يمنية أخرى وحسب المعلومات فإن الحوثيين يتواجدون فيها.
خطرة لكنها آمنة
وقبل أن تغيب الشمس قررنا العودة إلى قطاع الدائر خشية أن يخيم علينا الظلام ونجد انفسنا محاطين بالسواد وغير قادرين على مغادرة المكان، إلا أن العقيد ركن شراحيلي قال: المنطقة آمنة بإذن الله، وكما ترى الناس وحتى الأطفال والناس الجميع يمارس حياته الطبيعية دون خوف، متوكلون على الله ثم مؤمنون بعزيمة رجال حرس الحدود ورجال القوات المسلحة، وقدراتهم في التصدي لكل من تسول له نفسه الاقتراب من حدودنا ومحاولة العبث فيها، مضيفا أن قطاع الدائر من القطاعات الجبلية التابعة لقيادة حرس الحدود في جازان يغطى 80 كم على خط سير الدوريات وأكثر من 96 كم عبر نقاط المراقبة والاستطلاع.
وأضاف شراحيلي: على الرغم من أن طبيعة المنطقة تكتسب الطبيعة الجبلية والوعرة وصعبة التضاريس وذات الجبال الشاهقة وفيها وديان سحيقة واشجار كثيفة وقرى الدولتين المملكة واليمن قريبة من الشريط الحدودي، ومع الصعوبات التي نواجهها نتيجة هذه العوامل إلا أن المنطقة آمنة، ولم تتعرض حتى الآن لأي اختراقات من الجانب الحوثي، وبالطبع لن نمكنهم من ذلك مهما حاولوا وفعلوا ولجأوا إلى الخدع والحيل، فرجال حرس الحدود متيقظون لأن كل المواقع تحت مسؤوليتهم، ونظرا لجغرافية المنطقة تعتبر من المواقع الخطرة خاصة وأن المنطقة تطل على خمسة أسواق في الجانب اليمني هي التمنية ، الرقو، ال ثابت، افق والقهر بعضها لا يفصلها عن الأراضي السعودية أكثر من 500 متر، وحسب المعلومات يباع فيها مختلف الأسلحة والمخدرات، ويتخذ المهربون من وعورة الطرق مسلكا لهم رغم انهم في كثير من الأحيان لا يمكنون من تحقيق اهدافهم، التي ومع انطلاق عاصفة الحزم انخفضت، وبات اكثر المهربين من الجنسية الافريقية الذين يفدون من اليمن، حاملين على أكتافهم مختلف الممنوعات من مخدرات واسلحة يساندهم البعض الذين يتوارون في الجبال، كاشفا أنه قبل 3 أيام تمت مواجهة بيننا وبينهم، وتمكنا من القبض على بعضهم فيما فر الآخرون عائدين إلى الحدود اليمنية.
وأضاف العقيد شراحيلي، أن هناك 69 قرية سعودية داخل الحرم الحدودي، يتم حاليا العمل مع اللجنة الميدانية لحرم الحدود على ترقيمها ومسحها، نافيا صدور أية اوامر حاليا بإجلائهم من مواقعهم.
رشاشات وذخيرة حية
قبل انتهاء جولتنا في الداير ومغادرتنا لقطاع حرس الحدود وجدنا انفسنا أمام مجموعة كبيرة من الاسلحة وصفها لنا وكيل الرقيب يحيى الغزواني رقيب الشؤون العامة بالقطاع بأنها اسلحة ضبطت بحوزة المهربين، وبعضها تركوها وولوا هاربين، وصف بعضها بالأسلحة الفتاكة لعدم وجود امان لأجهزتها.
وأشار إلى حمل بعضها من نوع الكلاشنكوف وكميات من الذخيرة الحية مبينا أن المضبوطات قلت كثيرا بعد انطلاق عاصفة الحزم.
300 ريال ولا تسأل عن الحمولة
نجح رجال حرس الحدود في القبض على يمني يدعى نبيل علي يمني الجنسية، بحوزته مجموعة من المسدسات انكر متاجرته فيها، مدعيا أن دوره انحصر في حملها مقابل 300 ريال بعد ان التقى به رجل وطلب منه أن يحملها ويصل بها إلى الحدود السعودية والتي سيلتقي فيها مع رجل لم يوضح له من يكون.
كما تم ضبط سيف موسى وسيد أحمد من الجنسية الافريقية، وبحوزتهما بعض من أنواع الأسلحة المهربة فيما هرب المرافقان لهما، واللذان فرا إلى اليمن.