-A +A
محمد المختار الفال
قلنا، أمس، في هذا المكان، إن شهوة التوسع تدفع إيران للتحرك في جميع الاتجاهات لإنفاق ثروات شعبها على الأتباع والوكلاء والأذناب في العالم العربي.. وأن هذه الشراهة في توسيع دائرة النفوذ وضعت المنطقة على فوهة بركان يغلي، يخشى معه أن تظل المنطقة في دوامة النزاعات والحرائق المشتعلة لتحرق الأخضر واليابس. وقلنا إن الأمل معقود على أن يدرك عقلاء إيران هذه المخاطر وتستيقظ ضمائرهم للتوقف عن تعريض وطنهم وشعبهم إلى المهالك واستمرار المنطقة تحت توتر يستنزف كل الطاقات..
وللأسف، يبدو أن أصحاب القرار في طهران أعمتهم نشوة الصعود وتمدد النفوذ في أكثر من دولة عربية، فشجعوا الأحزاب والمجموعات التابعة لهم لمزيد من شق الصفوف وبذر روح الكراهية والأحقاد والاصطفاف الطائفي، لكن في غمرة الانتشاء، فات إيران أنها تقدم خدمة للعرب حين تشعرهم بالخطر المحدق، فتدفعهم للخروج من حال الترهل وضعف الاختلاف على الجزئيات إلى وعي جماعي يفرق بين ما هو مرحلي وما هو استراتيجي، والتنبه إلى مخاطر الاستغراق في النزاعات حول القضايا الفرعية والغفلة عن أهمية الاتفاق حول القضايا الجوهرية والمصيرية..

وفي هذا السياق، نشير إلى أن بعض الدول العربية عاشت، زمنا طويلا، في حال من الانكفاء والتخلي عن مجالها الحيوي في القارتين الأفريقية والآسيوية، وسيطرت عليها فكرة «القطرية» بحجة أن الانشغال بهموم وقضايا الآخرين يضعف العناية بالشأن الوطني، وكأن هناك تناقضا بين الاهتمام بالمجالين المحلي والخارجي.. هذا الانكفاء أفقد المجموعة العربية قوة وتأثير ارتباطها بمحيطها ومجالها الحيوي، فانصبت جهودها على معالجة القضايا الآنية. وزادت من إشكالياتها موجات الإرهاب المحلي والإقليمي والدولي التي تناسلت بعد الحرب الأفغانية التي وفرت للناقمين على أوطانهم ومجتمعاتهم ميدانا للتدريب وبيئة لمناقشة طروحاتهم وأفكارهم الشاذة وإيصالها إلى من تقاطر إلى الأراضي الباكستانية تحت نظر وسمع أجهزة الاستخبارات العالمية والإقليمية. وبعد انفجار صرخات ما سمي بالربيع العربي دخلت الدول العربية، في مرحلة جديدة، فالذين احترقوا بنيران الميادين المشتعلة بصيحات الرفض تحركوا لإطفاء الحرائق الزاحفة إلى بيوتهم، والذين خارج هذا «الفوران» احتاطوا له حتى لا تمتد أخطاره إلى جدرانهم.
والآن، بدأت الصورة تنجلي، مع الاصطفاف المعلن والخفي حول ما يجري على الأرض العربية. وجاء انقلاب الحوثيين ورفضهم مخرجات الحوار الذي يجمع ما بين المبادرة الخليجية وتطلعات شباب ميدان التغيير في صنعاء وتدخل إيران ليزيد الصورة وضوحا، فإيران جعلت من نفسها «العدو» الذي يدفع العرب إلى إعادة النظر في موقفهم من الأحداث، وجدولة الأولويات للانتهاء إلى رؤية مشتركة توقف حالة التشظي التي تهدد الأرض العربية.
ولا بد من التأكيد على أن قضيتنا مع إيران ليست بسبب مذهبها أو عرقها، بل بسبب سياستها المتجاهلة لوجودنا، الراغبة في بسط هيمنتها، ويوم ترجع إلى مبادئ حسن الجوار والتعاون وإزالة أسباب التوتر ستجد دولا ومجتمعات مرحبة بوجودها وشراكتها..
ولهذا، ليس من مصلحة إيران أن تجعل من نفسها «عدوا»؛ لأن ذلك سيدفع العرب إلى التوحد في وجه شهيتها وطموحها غير المشروع.