-A +A
محمد المختار الفال
لفت نظري حديث مدير عام الرقابة على أداء المؤسسات والشركات في ديوان المراقبة العامة الأستاذ محمد بن دايل حول وحدات الرقابة الداخلية في الأجهزة الحكومية، وتأخر وجودها في بعض الدوائر بسبب عدم إحداث الوظائف المطلوبة واستغلال البعض المتوفر منها لترقية موظفي القطاعات الأخرى.. وقال إن عدم تفعيل وحدات الرقابة الداخلية في الجهات الحكومية يرجع، في بعض أسبابه، إلى عدم استقلالها وقلة الكوادر المؤهلة علميا وعمليا إلى جانب ضعف الحوافز الجاذبة وأسباب أخرى تتصل بالهياكل حين تكون وحدة الرقابة الداخلية أقل من السلطة العليا في الجهاز المعني..
والحقيقة أن حديث الأستاذ ابن دايل فيه الكثير مما يستحق التعليق والمناقشة لمن أراد المساهمة في معالجة المعوقات وتفعيل وحدات الرقابة الداخلية، لأنها من العوامل الرئيسة لتدارك الأخطاء قبل وقوعها، وهو هدف أساسي لمحاصرة الهدر وغلق نوافذ الأخطاء الإدارية والمالية وما تجره من آثار تنعكس سلبا على أداء الجهاز الحكومي ومشاريع التنمية..

ومما يدعو إلى العجب ما أشار إليه من نقص الكوادر المؤهلة علميا وعمليا، لأن هذا يطرح سؤالا منطقيا مؤداه: أين قوافل خريجي جامعاتنا وثمرات الابتعاث لعشرات السنين؟، خاصة إذا تذكرنا أن كليات الإدارة والاقتصاد كانت من أولى الكليات التي تأسست في الجامعات السعودية وفتحت أبوابها وأقسامها لأبناء المملكة منذ أكثر من ستين عاما، وأين جهود معهد الإدارة؟، الذي شكل نقلة نوعية في تدريب موظفي القطاع الحكومي، منذ عشرات السنين، سنتجاوز هذه الأسئلة إلى ما أعتقد أنه النقطة المحورية، وهي باعث كتابة هذه السطور، وأعني بها «استقلالية» وحدات الرقابة الداخلية، فهذه الوحدات إن لم تكن صاحبة قرار مستقل يحميه النظام فلن يكون لدورها الأثر المطلوب.
وحتى تتوفر لها هذه الاستقلالية فهي محتاجة إلى عدم خضوعها لسلطة الجهة التي تراقبها، مع توفر كل عوامل الاستقلال، من إمكانيات مادية وبشرية، فتوفير الكادر البشري المؤهل علميا وعمليا ومنحه السلطة القانونية النافذة وحمايته من عوامل التأثير الخارجية مهم جدا، وهو ما يدعو إلى منح موظفي الرقابة - بصفة عامة - حوافز مالية ومعنوية تساعدهم على مقاومة التدخلات والضغوط الخارجية والداخلية..
وحديث مدير عام الرقابة على الشركات في ديوان المراقبة العامة بهذه الشفافية والوضوح يدعو إلى التفاؤل بأن العمل في اتجاه محاصرة الأخطاء توجه عام تقوده الجهات العليا، وهذا التوجه سيؤدي دوره بفعالية إذا ساندته جهود القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بصورة مهنية تعتمد المعلومات الدقيقة التي تحمي حقوق الجميع ولا تتورط في سقطات الإثارة غير الدقيقة التي تفسد آليات الوصول إلى الهدف..