-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
لماذا يقوم طالب أو طلاب بالتخطيط للاعتداء على زملائهم أو مدرسيهم؟ ولماذا لم يكن بالإمكان توقع هذه الأحداث والتدخل لمنعها قبل وقوعها؟ وكيف يمكن منع وقوعها مستقبلا؟ أسئلة تعود إلى الواجهة بعد حادث إطلاق النار على الطلاب بجامعة «فرجينيا تك»، في مدينة «بلاكسبرغ» بولاية فرجينيا الأميركية. فخبراء التعليم وعلم الجريمة وعلم النفس وعلم الاجتماع يحاولون منذ زمن فهم الأسباب الحقيقية وراء العنف في المؤسسات التعليمية. ورغم أنه من الصعب التوصل إلى جواب شاف واف في هذه المسألة إلا أن هذا لا يمنعنا من محاولة فهم هذه الظاهرة. فقد أشار العديد من الخبراء والباحثين (كالدكتور بروس بيري أحد زملاء أكاديمية صدمات الأطفال في هيوستن) إلى بعض الحقائق المشتركة بين العديد من المجتمعات الغربية تتعلق بظاهرة العنف منها فقدان البعض الإحساس بقيمة الحياة الإنسانية وقدسيتها، والتقليل من قيم الآخرين والازدراء بهم. فالبيئة المحيطة بالإنسان لها تأثير خاص على سلوكه. فعندما تكون هذه البيئة موبوءة بالعنف والقتل والأفكار المنحرفة والمسمومة تنشأ عند الإنسان حالة تبلّد وفقدان شعور وانعدام إحساس بقيمة الحياة وبشاعة انتهاك حرمتها. ولك أن تتخيل نسبة العنف الذي يتعرض له الشباب، في ظل غفلة الآباء والمجتمع، من خلال تأثرهم بما يشاهدونه على شاشات التلفاز من أفلام الحرب والموت وصور القتلى والدماء، أو عن طريق ممارسة ألعاب الفيديو المختلفة التي تحاكي أعمال العنف وتمكن من تقليد ارتكابها، أو من خلال الأعمال الفنية التي تصورهذه المشاهد بطريقة أكثر تأثيرا ودموية، أو تلك المشاهد التي تنتقص من مهن ذات تأثير إنساني واجتماعي كمهنة التدريس وتحقر دور المعلم وتعتدي على كرامته. لذا نجد أن بعض الشباب في المجتمع الغربي أصبح أقل إحساسا بهذا الخطر غير مدرك أو متصور للمعنى الحقيقي للقتل أو التعدي بأي نوع من أنواع الانتهاك للفرد والمجتمع.
ومن هذه الحقائق أيضا إنعدام الروابط العقدية والقيم الأخلاقية المشتركة. فبدون هذه الروابط يقل الاهتمام برفاهية وصالح الآخرين. وعندها يصاب البعض بالعزلة والتهميش مما يجعل المجتمع هدفا لأعمال العنف. كما أن العنف يتولد عندما يسمح المجتمع بتوغل العصبية والطائفية وعقيدة الكراهية التي تنشئ نوعا من الطبقية بين أفراده. فالكراهية تولد العنف خاصة عندما يتعمد البعض تجريد فئة دون غيرها من الروابط والخواص الإنسانية التي تجمعها بغيرها، وبالتالي يتولد الخوف وسوء الفهم والبغيضة المنتجة للعنف والعنف المضاد.

كما يساعد على استشراء الظاهرة انتشار الآفات الضارة كالخمر والمخدرات المشاعة باسم الحرية. وتزداد ظاهرة العنف بازدياد إقبال المتعاطين الجدد ذوي الخبرة المحدودة والتجربة الناقصة. كما لا يمكن تجاهل العلاقة بين ازدياد أعمال العنف وتوافر الوسائل الأكثر فعالية في القتل والتدمير دون رقابة فاعلة. فاقتناء الأسلحة الحديثة (كالمسدسات، والبنادق، والأسلحة الآلية) متوافر بسهولة تحت غطاء قانوني أو غير قانوني. ففي نوبة من نوبات الغضب والحقد أو السكر قد يتمكن فرد واحد وبأسلحة العصر من أن يحصد أرواح العشرات من زملائه أو مدرسيه أو أفراد مجتمعه دون تمييز.
وتتزامن أحداث العنف الأخيرة في المؤسسات التعليمية الأمريكية مع بعض حوادث الاعتداءات على المعلمين في المملكة. ورغم الفارق الواضح بين مستوى العنف في المثالين إلا أن إهمال هذه المشكلة قد يؤدي إلى اتساع نطاقها. فبعض الحقائق المتعلقة بظاهرة العنف قد تنمو في البيئة المصغرة المحيطة بمرتكب الفعل كالأسرة الخالية من الرقابة فينتج عنها نتائج مخيفة. ورغم اهتمام الدولة والمؤسسات التعليمية بدراسة هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها، فإن العلاج الحقيقي يبدأ من فرض الأسرة للرقابة السليمة التي يتم من خلالها بناء السلوك الإيجابي، والحد من التعرض لكل ما يعزز السلوك العدواني، وبناء العلاقة الاجتماعية الصحية بين الأسرة والمحيط الخارجي، والتحلي بأخلاقيات الإسلام لتكون حصنا حصينا في مواجهة المعتقدات الخاطئة والآفات المدمرة.
afansary@yahoo.com