-A +A
محمد المختار الفال
يا إلهي ما أصبر قادة دول مجلس التعاون، وأقدرهم على كظم الغيظ وتغليب المصلحة الوطنية العليا على دوافع ونوازع الانتصار للذات رغم توفر الوسائل والقدرة على ذلك.. من يستطيع أن يتحمل الغطرسة الإيرانية وتجاوزها الأعراف الدولية وتنكرها لموجبات الجوار إلا أهل العزم والحزم الذين ينتصرون على ذواتهم في سبيل أوطانهم وشعوبهم وأمن واستقرار المنطقة والعالم كله؟.. إن العقول الراجحة والقلوب الكبيرة والعزائم القوية هي التي تصنع الزعامات في السلم والحرب، تخطو بثبات على طريق السلام والتعايش وتصون لوازمه ومتطلباته وتعمل على حفظها كما تسير على طريق الحق وتحميه بالقوة إذا لزم الأمر..
وها هي دول مجلس التعاون تدعو إيران - بعد كل الذي فعلته وتفعله - إلى تأسيس علاقات طبيعية تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وتقدير أهمية حسن الجوار وشروطه..

والحقيقة أن السياسة الإيرانية في المنطقة العربية وتصرفاتها العدوانية وسعيها الدؤوب لإثارة النزعات الطائفية وتغذيتها وتأليب بعض مواطني الدول للخروج على الوحدة الوطنية وإزعاج الأمن والاستقرار وتعريض وحدة الأوطان للخطر، كلها أفعال وسلوكيات لا تدع مجالا للتفاهم، بل تفسد كل تصور يمكن أن يدعو إلى حسن الظن وبناء الثقة وإزالة أسباب الشكوك، لكن رغم كل ذلك ها هي الرياض تقود دعوة بناء الثقة من أجل تجنب المنطقة المزيد من القلاقل والفتن، كما قادت المبادرة الجريئة لنصرة الشعب اليمني على أعدائه الذين أرادوا استخدام الانقلابيين الحوثيين للانقضاض على الشرعية وتدمير مؤسسات الدولة ونشر الفوضى لتخلق ظروفا يتسللون منها لزعزعة أمن واستقرار دول مجلس التعاون.
اليوم حين توجه دول المجلس الدعوة لإيران من أجل العودة إلى العقل وتحقيق المصالح فإنها تفعل ذلك من موقف الثقة بالنفس والقدرة على الدفاع عن مكتسبات الأوطان، وهذه الثقة والاستعداد لمواجهة الأخطار لا تغيبان الوعي والإدراك بأن الحروب كريهة تجر المنطقة إلى ويلاتها المدمرة مهما كان حجم الانتصار والمنتصر. هذه الثقة هي التي جعلت سياسة المملكة تقوم على أسس راسخة وإيمان عميق بتقديم العمل الدبلوماسي على غيره واستثمار كل العناصر المشتركة التي تساعد على تجاوز العقبات. وهي تفعل ذلك مع الجارة إيران، رغم أخطائها الفادحة المتكررة ضد جيرانها في الخليج..
وبهذه الدعوة تقول المملكة لإيران: رغم العداوة الظاهرة والخفية ورغم الأضرار الكبيرة الناتجة عن سياسة تجاهل الشركاء في الإقليم، ورغم الغضب الطافح من نفوس أفراد المجتمعات العربية بسبب السياسات المتجنية التي تروج لما يثير مشاعر الكراهية والبغضاء.. رغم كل ذلك فإن العقلاء يستشعرون المسؤولية حين يفتقد الخصوم الرشد وتتغلب الحماقة والأحقاد على ما تقتضيه المصالح العليا للشعوب والمجتمعات.. وهذه الدعوة العاقلة تستحق من الإيرانيين القبول وتأمل فوائدها على الجميع حتى لا تفوت فرصة قد لا تتكرر.