-A +A
محمد المختار الفال
الحوثيون جزء من مكون الشعب اليمني، ولا أحد ينكر حقهم في السعي للحصول على نصيبهم في وطنهم، أسوة بغيرهم من مواطنيهم. والدول الخليجية تحترم هذا وتقدره ولم تتدخل إلا لتقريب وجهات النظر من أجل الوصول إلى قاسم مشترك بين جميع الأطراف. والمبادرة الخليجية ــ التي تحولت إلى مشروع أممي ــ قائمة على هذا الأساس الذي يحترم خيار اليمنيين، لكن مشكلة الحوثيين أن إرادتهم ليست بيدهم، وأفعالهم لا تتفق مع حسابات المصلحة الوطنية لليمن؛ لأنها استجابة لأطماع جهة خارجية زينت لهم الوهم فتصوره حقيقة، وهو أنهم يستطيعون ــ بالدعم الخارجي ــ إخضاع اليمن بقوة السلاح، وهذا الوهم تضخم حتى غيب عن نظرهم حقائق واضحة، ما كان يجب أن تغيب عن من لديه بصيرة، فالخديعة والأطماع غيبت عنهم أنهم أقلية في الشمال، وأن ما حققوه في الفترة الماضية كان نتيجة لصراعهم مع نظام مشوه بناه المخلوع علي صالح الذي قزم الدولة وأفسد عقيدة الجيش القتالية، فأصبحت الدولة ومؤسساتها أدوات ومراكز قوة مهمتها تحقيق مصالح «الرئيس»، وتحولت عقيدة الجيش من الدفاع عن تراب الوطن وصون حقوقه وحفظ مصالحه إلى «جيش حراسة» مشغول بتأمين سلامة «المخلوع»، بعد أن اختصر الوطن في شخصه، ولم يكتفِ بإفساد مؤسسات الدولة وجيش الوطن فقط، بل أفسد الحياة السياسية كلها، فتحولت غالبية المؤسسات إلى خدمة مؤسسيها وقادتها تقليدا لما عليه المخلوع.
هذه التشوهات الحقيقية خلقت حالة من السخط بين اليمنيين، فأصبحت لديهم «قابلية» الاستجابة لأي دعوة تريد الانفكاك من الحالة التي أوجدها علي صالح، ومن هنا وجد الحوثيون مكانا لهم أكبر من حجمهم ومكانتهم. وزاد من بروزهم التحرك الإيراني الذي وجد فيهم «مشروعا» لأطماعه في اليمن، لا رغبة فيه، بل ليكون أداة تزعج الجيران ومنطقة ملتهبة تستنزف ثروات الدول المستقرة التي وجهت إمكانياتها لإعمار بلادها وتحسين أحوال شعوبها، عكس ما فعلت إيران التي أهدرت ثروات الشعب في أطماع جنونية امتدت من جاكرتا شرقا إلى داكار غربا..

إذا، الحوثيون جزء من «مشروع» إيراني في سياق الهيمنة التي تعمل من أجلها طهران في المنطقة العربية، وتستغل ظروف بعض المجتمعات لتزرع الوكلاء للقيام بما تريده وتتكفل هي بالتمويل والتدريب وتقديم الاستشارات، وإذا استدعى الأمر جلبت المرتزقة من مناطق أخرى كما نشاهده في سورية والعراق.. وقد يكون للحوثيين «مشروعهم» الخاص في وطنهم، لكن التحريض والشحن الإيراني تجاوز بهم هذا الطموح الوطني «المشروع» إلى تصرفات مجنونة دفعتهم إلى الاعتداء على المدن والمواطنين السعوديين، الأمر الذي سيكلفهم الكثير، وهو الدليل الأبرز على خضوعهم للإرادة الإيرانية وطموحات المخلوع الذي لا يزال يتوهم إمكانية العودة إلى قصر الرئاسة في صنعاء لمواصلة حكمه المشوه..
ورغم «تورط» الحوثيين في خطيئة الاعتداء على نجران وترويع المواطنين، فإن أمامهم فرصة يستعيدون فيها وعيهم وإرادتهم ليدركوا أنهم لن يرغموا الشعب اليمني على ما لا يريد، وها هو يقف ضد سطوتهم رغم ضعف إمكانياته..
والهدنة المعلنة من المملكة للظروف الإنسانية لحظة يمكن أن يستفيد منها الحوثيون للدخول في باب الحوار مع شركاء الوطن إذا كانوا جادين في حماية اليمن من التمزق.