-A +A
محمد المختار الفال
لا أكتب عن السياحة الداخلية كثيرا لأنني عشت فترة كان الحديث عنها أشبه بالخطب الوعظية التي ترقق القلوب وتدمع العيون لكنها في - الغالب - لا تنعكس على سلوك الكثيرين لأنها لا تقدم النموذج العملي الذي يجسر المسافة من القول والعمل. وكانت الكتابة عن السياحة الداخلية «واجب» يشعر البعض أن عليه المساهمة في تشجيعه بالإشارة إلى فوائده مع نقد ما يعتريه من نقص حتى يبرر ضعف المقبلين عليه.
لكن لفت نظري أمس حديث رئيس الهيئة الوطنية للسياحة الأمير سلطان بن سلمان حول إيمانه بأن التطوير الحقيقي للسياحة يبدأ من «البنية البشرية» وهو كلام يفهم منه أن تدريب الشباب السعودي ليجعل من السياحة مهنة يعيش منها ولها ويتدرب على احتياجاتها نقطة الارتكاز في تطور هذا القطاع.. وهي رؤية تطمئن على أن السياحة في بلادنا تدخل مرحلة «الصناعة».

لقد أنفقت هيئة السياحة الكثير من الوقت والجهد «لإصلاح تربة زراعة» السياحة في ثقافة المجتمع بالعمل على إزالة العوائق التي نشأ بعضها عن توجس وخوف من مفهوم «السياحة» الذي ارتبط في الأذهان بالترفيه الخارج عن تقاليد المجتمع، وبعضها وظيفي يرتبط بضعف البنية التحتية المطلوبة لأي نشاط سياحي قائم على المعايير الاقتصادية.
ونجحت الهيئة - مع الإصرار والصبر والمنهج العلمي ومراعاة البيئة التي تعمل فيها - في اكتشاف ثروات سياحية في آثارنا وتنوع طبيعة بلادنا وغنى تراثنا، مما شجع على قيام مشاريع لفتت أنظار المواطن والمقيم والزائر إلى ما توفره من خدمات تتفق مع ثقافة وعادات المجتمع وتلبي احتياجات السائح..
وهذا النجاح بات معروفا وترك تأثيرا في تفهم إمكانية قيام صناعة سياحية تجذب مئات الآلاف من المغادرين في كل إجازة - حتى لو كانت أياما - وطبعا هذا «التفهم» يحتاج إلى برامج على الأرض تنقله من الفهم والتفهم إلى الاقتناع والتطبيق. إن السياحة في بلادنا - بعد أن عبرت مرحلة الشك - ينتظر منها أن تترجم أفكارها وطموحات القائمين عليها إلى مشاريع واقعية تقدم الخدمة القادرة على إبقاء الكثيرين في بلادهم.. وأرى أن ظروف المنطقة السياسية والاقتصادية والأمنية عامل مساعد على ربط المواطن بالسياحة الداخلية شريطة أن تكون مرافقها مستوعبة لاحتياجات الأسرة السعودية التي تريد الاستمتاع بإجازتها، وهي مترددة في الذهاب إلى مصايفها في الدول العربية التي تشهد ظروفا أمنية غير مطمئنة..
مرة أخرى لا أريد أن يكون الحديث عن السياحة «واجبا وطنيا» نلقي فيه الخطب ثم نغادر إلى حيث نرتاح.