-A +A
محمد المختار الفال
مؤتمر كامب ديفد، الذي أنهى أعماله قبل أيام، سبقه سيل من التحليلات والاجتهادات و«الأماني»، بعضها ورد في ثنايا الأهداف المعلنة وبعضها استنتاجات من الوقائع السابقة أو استقراء لمسار العلاقات بين واشنطن ودول مجلس التعاون، وما طرأ عليها من آثار نتيجة الاتصال الأمريكي، في عهد الرئيس أوباما، بإيران وتنامي الحوار في اتجاه الوصول إلى اتفاق «مقبول» حول الملف النووي.
ورغم أن البيان الصادر عن المؤتمر أكد مجموعة من القضايا المهمة لدول مجلس التعاون مثل العلاقة الاستراتيجية واستعداد واشنطن للدخول في تفاهمات لمواجهة أي خطر يهدد أمن هذه الدول، إلا أن هناك قضية ما تزال تستدعي نقاش المهتمين بأمن ومستقبل المنطقة، وهي «تردد» واشنطن في توقيع معاهدة دفاع مشترك مع دول مجلس التعاون..

ومع الإقرار بأن هذا النوع من المعاهدات يتطلب محادثات مطولة ونقاشات معمقة مستفيضة، حول التفاصيل، إلا أن هذا يكون مفهوما ومقبولا بين الدول التي تربطها علاقات حديثة، نسبيا، ومصالحها المشتركة في دوائر محدودة لكن الوضع بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجلس التعاون مختلف، فهذه الدول داخلة في علاقات عضوية مع أمريكا، منذ عشرات السنين، في مجالات الأمن والدفاع والطاقة، وواشنطن، عمليا، تقوم بدور الشريك في حفظ استقرار المنطقة، وبالتالي فإن المبادئ العامة التي تقوم عليها معاهدات الدفاع المشترك متوفرة في جميع الأطراف، والدخول فيها بشكل رسمي لا يكلف الولايات المتحدة الكثير، في الوقت الذي تعطي المزيد من الثقة وتساعد على الشعور بدواعي الأمن والاستقرار، فإبرام مثل هذه المعاهدة يشكل قوة رادعة لأي جهة تريد أن تضع المنطقة - تحت ضغط التهديد - أي أن توقيع معاهدة الدفاع المشترك ستضع إيران أمام الأمر الواقع وهذا يفرض عليها إعادة حساباتها وسياساتها القائمة على إظهار القوة بدلا من التعاون وحسن الجوار. وعدم الحماس للمعاهدة من واشنطن يبقي رسالة التطمين التي صدرت عن كامب ديفيد في دائرة الشك القابلة للاتساع مع التقارب الإيراني الأمريكي وما قد ينتج عن توقيع اتفاقية الملف النووي ورفع الحظر؛ الأمر الذي سيشجعها على الاستمرار في الإنفاق على سياسة زرع الوكلاء والأتباع على الخارطة العربية.
أمام هذا التوجس سيكون من المناسب الشروع في مفاوضات جادة تنتهي إلى توقيع معاهدة دفاع مشترك بين المجموعة الخليجية والولايات المتحدة إذا أرادت توثيق رسائل التطمين التي سعت لبثها في لقاء القمة.
وهذه المعاهدة - إذا كتب لها الإنجاز -ستوفر أمرا بالغ الأهمية في هذه المرحلة وهو «الأمن» الذي بدونه لا تقوم نهضة ولا تستثمر طاقات، بل تصبح بلا قيمة في ظل الاضطرابات والقلاقل.