-A +A
عزيزة المانع
أن تسن نظاما يضبط سلوك الناس في المجتمع، أمر سهل لا تحدي فيه، لكن التحدي الصعب أن تضمن التزام الناس في سلوكهم بما تسنه لهم من أنظمة.
لو أخذنا المرور وأنظمته كمثال على ذلك لأمكن لنا أن نعد عشرات الأنظمة التي سنها المرور ولم يظهر لها أثر في سلوك الناس، مثلا المرور وضع نظاما يحظر تجاوز حافلات النقل المدرسي أثناء توقفها للتحميل أو التنزيل، فمن رأى منكم أحدا يلتزم بذلك النظام؟ ووضع نظاما يحظر ركوب الدراجات الآلية دون ارتداء خوذة تحمي الرأس، فكم عدد الذين يتقيدون بذلك مقارنة بأولئك الذين لا يتقيدون؟ ووضع نظاما يحظر ركوب الأطفال الصغار السيارة دون مقاعد الأمان المخصصة لهم، فكم نسبة الأهل الذين يتقيدون بذلك النظام؟ ووضع نظاما يفرض ربط حزام الأمان في المركبات، فكم عدد الذين يربطون أحزمة مقاعدهم خلال القيادة؟ وكم عدد الذين ضبطوا مخالفين فعل ذلك؟ وأيضا وضع المرور نظاما يحظر استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، فكم عدد الذين ضبطوا متلبسين بفعل تلك المخالفة؟ ووضع نظاما يحظر نقل الأشياء في سيارات مكشوفة، فهل لاحظت أي نقصان في عدد المرات التي تقابلك فيها سيارات مكشوفة حشر في حوضها أعداد من البشر وليس الأشياء فقط؟

نحن لا نعاني من غياب الأنظمة أو من قلة فيها، نحن نعاني من عدم التقيد بها!! من المسلم به أن التقيد بالأنظمة في العالم كله دون استثناء لا يحدث تلقائيا، فعدم التقيد بالنظام هو الأقرب إلى طبيعة البشر، ومتى تقيد الناس بالنظام فإن ذلك يكون بقوة الفرض والإلزام، لا بتأثير الرغبة، فالناس غالبا يتقيدون بالنظام مرغمين لا راغبين.
هذا يعني ضرورة وجود ما يلزم الناس ويضطرهم اضطرارا إلى التقيد بالنظام المفروض عليهم، وعدم ترك ذلك لاختيارهم، فالأنظمة من طبيعتها أنها تقيد الإنسان وتحول بينه وبين بعض ما يرغب فيه، لذلك يكون المتوقع عزوف الناس عن الالتزام بها وتحينهم كل فرصة تسنح لهم للتفلت من التقيد بما هو مفروض عليهم.
تفعيل الأنظمة يحتاج إلى متابعة ومراقبة وإلزام، وما لم يحدث هذا ستظل الأنظمة داخل الأوراق التي خطت عليها لا يشعر بها أحد ولا يظهر لها أثر.
ويظل السؤال الأكبر من المتهم في التقصير حين لا يتقيد الناس بأنظمة المرور؟ هل هم الناس الذين لا يلزمون أنفسهم بما سن من أنظمة، أم المرور الذي لم يسع إلى فرض أنظمته عليهم وإلزامهم بها؟.