-A +A
محمد المختار الفال
يحاول الرئيس باراك أوباما أن يطبق سياسة «ركوب حصانين في آن واحد»، أي أن يجمع بين المتناقضين أو المتنافرين أو كسب رضا المتخاصمين، فهو يريد الاحتفاظ بثقة حلفاء الأمس وكسب مودة أعداء الأمس أيضا.
تريد واشنطن أن تضرب داعش وتحارب الإرهاب في العراق وسورية، مع تطوير علاقات متنامية مع إيران ومن يدور في فلكها من أنظمة ومجموعات.. وهذه السياسة، إذا كانت قد نجحت في بعض المواقع والأزمنة، فإنها ليست مضمونة النجاح في التشابكات والتعقيدات والمصالح المتقاطعة في المنطقة.. وبصورة أخرى، إن السياسة المعلنة لاحتواء العنصر العربي السني ليكون جزءا فاعلا في نظام الحكم في العراق يراها البعض استهلاكا إعلاميا، وحتى لو أقنعت بعض من لا يعرفون حقيقة ما يجري في أروقة صناعة القرار هناك، فإن العرب السنة العراقيين لا يجدون فيها ما يطمئنهم بسلامة الموقف الأمريكي، بل ربما يرون فيه معاداة لمصالحهم ووجودهم وحقوقهم في وطنهم. فتهاون الحكومة العراقية أو ضعفها أطلق العنان لمليشيات وشخصيات طائفية نافذة ترى في الأوضاع الحالية فرصة تاريخية تسدد فيها حسابات قديمة ارتكبها البعض ويجب أن يدفع فاتورتها الجميع، ودعم هذا النشاط يجعل سياسة واشنطن وكأنها لا ترى من الأضواء في ظلام المنطقة إلا «النور الإيراني»، ولهذا تتجه نحوه بحماس يضر بمعادلة التوازن المطلوب.. ويبدو أن «النساج» الإيراني الصبور قد أدرك تلهف البيت الأبيض على رضاه، فشرع يكتب فاتورة خسائره على مدى العقود الثلاثة الماضية، فهذه لحظة مناسبة للحصول على ثمنها.

والمحاولة الأمريكية التي تسعى للفوز بالنجاح في كسب المعركة ضد إرهاب داعش والمجموعات المنتمية إلى السنة، وفي الوقت نفسه تريد أن تمكن المليشيات الشيعية، يخشى أن تدفع المعتدلين إلى أحضان داعش؛ لأن سياسة الحكام في بغداد لم تترك لهم خيارا وهم يرون نساءهم وأطفالهم وشيوخهم يتيهون في الصحراء بعد أن أغلقت في وجوههم أبواب بغداد فلم يجدوا غير لهيب الصحراء يشوي مشاعرهم قبل أجسادهم.. ويا لها من مفارقة محزنة.. حرائر الأنبار لا يستطعن دخول بغداد هارون الرشيد!!.
وبعيدا عن لغة المشاعر، رغم حضورها بقوة في هذه المشاهد المستفزة، يرى المتابع أن «الراكب الأمريكي يواجه جموح الحصانين»، فكل واحد يجري في مضمار مختلف، وهذا يعني أن الراكب سيضطر إلى التمسك بأحدهما ويتخلى عن الآخر حتى وإن تظاهر بغير ذلك.
أي أن ركوب حصان العمل للقضاء على الإرهاب يحتاج إلى سياسة تخرج العراق من «حكم الطائفية» إلى دولة الوطن الواحد، حيث يتساوى الناس في الحوق والواجبات، وإذا أرادت واشنطن أوباما أن تمضي على هذا الطريق بمساندة المنطقة العربية دولا وشعوبا، فعليها إيقاف الاندفاع الإيراني وأدواته، حينها يمكن الحديث عن سياسة تحمل مقدمات النجاح ضد الإرهاب، أما إذا استمرت على ما هي عليه اليوم، فهذا معناه أنها تتمسك بلجام حصان طهران الأهوج الذي يريد أن يطمس الوجود العربي في العراق الأصيل.