-A +A
عزيزة المانع
لعله من نافلة القول إن الغاية النهائية من نشر التعليم في المجتمع هي بلوغ السعادة، التي غالبا تكون مرتبطة بتوفر الأمن الداخلي والخارجي، وازدهار الوضع الاقتصادي والصحي، مما هو مقرون غالبا بتقدم التعليم في المجتمع.
ومعظم المجتمعات المتقدمة تفخر بأن التعليم فيها يضع في مقدمة أهدافه إعداد الطلاب إعدادا يمكنهم من التعايش الإيجابي مع طبيعة الحياة الدائمة التغير، فيزودهم بالمعرفة القابلة للاستعمال والتطبيق في حياتهم اليومية، كما يحرص على تأمين الوسائل المعينة على تحقيق ذلك كاستخدام التكنولوجيا المتطورة وتوفير المعلومات الحديثة، وغير ذلك مما له أثر كبير في بناء مجتمع المعرفة الذي صار غاية تنشدها كل المجتمعات.

ووفقا لهذه الرؤية نجد كثيرا من منتقدي التعليم لدينا يركزون على ضعف ما يوجد في مدارسنا من وسائل التكنولوجيا الحديثة وضعف ما تحتويه مناهج الدراسة من محتوى علمي وعقلي، ومن إفراط في الاعتماد على أساليب التعليم بالحفظ، وإغفال تنمية قوى الإبداع والابتكار، أو التدريب على حل المشكلات وتعليم مهارات التحليل والتقييم والنقد، مما له أثر في دفع عجلة التقدم العلمي والصناعي في المجتمع.
لكن ذلك كله، رغم أهميته، لا يظهر بأهمية ما يحتاج إليه التعليم من تطوير في مجال تعليم قيم التعايش الإنساني للطلاب، فمجتمعنا في هذه الأيام في حاجة شديدة وملحة إلى تعليم هذه القيم التي تعمل على مكافحة العنصرية والطائفية والعداء للمخالف وغياب التقبل والتسامح. إن تعليم قيم التعايش الإنساني للطلاب في مثل هذه الظروف التي يمر بها مجتمعنا الآن، يعد من الاحتياجات التعليمية الأساسية التي نحتاج إليها لتحل لنا مشكلات متجذرة في المجتمع باتت تعرقل نموه وتهدد أمنه وسلامته.
في بعض مدارس العالم المتقدم تتضمن مناهج الدراسة تعليم قيم التعايش الإنساني للطلاب منذ المراحل التعليمية المبكرة لضمان تشرب الصغار لها ورسوخها في أعماقهم كمبادئ أساسية يعتنقونها في حياتهم.
والمملكة، خاصة في الظروف التي يعيشها المجتمع هذه الأيام، هي في أشد الحاجة إلى اتخاذ مثل تلك الخطوة في تعليمها الرسمي، عسى أن يكون ذلك معينا على التخلص من أسباب الصراع في المجتمع الناجم عن الكراهية والتعصب وازدراء الآخر والتمييز ضده، خاصة أن بعض الدراسات المعاصرة وجدت أن إغفال تعليم الطلاب مهارات التفاعل الاجتماعي وقيم التعايش السلمي مع الآخرين، له أثر في استمرار توارثهم الأفكار المتصلبة والتعصب ومشاعر المقت والنفور من الآخر المختلف.
إلا أنه من الضروري قبل البدء في إقرار تدريس برامج كهذه، الالتفات إلى المعلمين والمعلمات أنفسهم، للاطمئنان إلى مدى ما لديهم من احترام لقيم التعايش الإنساني، فالمعلمون هم بالدرجة الأولى، النهر الذي يستقي منه الطلاب ما يعتنقونه من قيم.