-A +A
خالد عباس طاشكندي
وافق مجلس الشورى، الثلاثاء الماضي، على تعديل المادتين الثانية والتاسعة والستين من نظام المرور، ليتضمن النظام الجديد عقوبات صارمة لمعالجة هذه الظاهرة وما يترتب عليها من مخاطر أمنية واجتماعية وهدر اقتصادي، كما نصت التشريعات الجديدة على دعم الرئاسة العامة لرعاية الشباب لاحتوائهم وجذبهم لممارسة رياضة السيارات بطرق آمنة من خلال إيجاد حلبات خاصة بهذا النوع من الرياضات والتشجيع على إنشاء أندية استثمارية لها، بالإضافة إلى توجيه وزارتي الثقافة والإعلام والتعليم بتكثيف برامج التوعية والإرشاد التي تبين أخطار التفحيط، ولذلك نقف على هذه التطورات ونطرح تساؤلا واقعياً: هل سيصبح «التفحيط» الذي أودى بأرواح آلاف الشباب من ذكريات الماضي؟!
يتضح من التشريع الجديد أنه أصبح يصنف التفحيط كجريمة جنائية بدلاً عن مخالفة مرورية، وتتضمن التعديلات معاقبة المفحط بالسجن والغرامة وإيقاف المركبة لمدد تتزايد في حال التكرار، وتشمل العقوبات كل من اتفق أو حرض أو قدم دعما ماليا للمفحط، بالإضافة إلى عقوبات متعددة أخرى تطال جمهور المشجعين لهذه الممارسات، وهذه التشريعات جاءت بتوصية أحادية من لجنة الشؤون الأمنية وتمت مناقشتها مسبقا خلال الجلسة الثانية والعشرين في منتصف مارس الماضي، ولم تشرك لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في إعداد هذه التوصية، وهو ما يثير العديد من علامات التعجب والاستفهام، خصوصا أنها أهم جهة معنية بقضايا الشباب في هذا الأمر.

وبالنظر في الحلول التكميلية التي طرحت، وهي تقديم دعم مالي للرئاسة العامة لرعاية الشباب من أجل احتوائهم وجذبهم لممارسة رياضة السيارات بطرق آمنة، وتكثيف برامج التوعية والإرشاد، فهي من ناحية لم توضح حجم هذا الدعم، ومن ناحية أخرى، لم تطرح خطة عملية جاهزة للتطبيق، وهي أيضا نفس الحلول المكررة التي طرحت وطبقت جزئيا على مدى الخمس عشرين سنة الماضية دون أي نتائج ملموسة على أرض الواقع، والتي شهدت أيضا تصاعدا تدريجيا في العقوبات صاحبها تصاعد في الخسائر المادية والبشرية، حيث أشارت آخر التقارير إلى أن الحوادث المرورية في المملكة حصدت أكثر من 86 ألف قتيل خلال العقدين الماضيين، وأصبحت تحتل المرتبة الأولى عالميا في عدد وفيات الحوادث المرورية، إضافة إلى خسائر مادية تتجاوز الـ13 مليار ريال سنويا، وفئة الشباب هم الأكثر تضرراً بنسبة 72% من إعداد وفيات الحوادث المرورية.
من الواضح أن القرارات الأخيرة تصدت لقشور المشكلة وغفلت عن تقديم علاج حقيقي لجذور المشكلات التي يعاني منها الجيل الصاعد، فأين دور الدراسات التي تطرح قضايا الشباب بعمق وما يطرأ على سلوكياتهم وسبل العلاج لتضع لنا بوصلة للبدائل الحقيقية، فبالرغم من مطالب الشورى السابقة للاهتمام بالدراسات ذات العلاقة بالشباب، وبالرغم من وجود 24 جهة مختصة ومهتمة بدراسة قضايا الشباب في المملكة، وهي 10 كراسي بحثية في أربع جامعات سعودية (مثل كرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز لأبحاث الشباب)، و9 مراكز بحثية (مثل المركز الوطني لأبحاث قضايا الشباب)، و4 برامج وطنية (مثل برنامج الأمير محمد بن فهد لتنمية الشباب)، إلا أن مخرجاتها شحيحة وغير مفعلة في بناء منظومة حقيقية لمعالجة قضايا الشباب ومستجداتها.
فالتصدي لسلوكيات الشباب والظواهر السلبية التي تبعتها لا تعالج فقط بالعقوبات الرادعة وتجريم بعض هذه الأفعال؛ لأنها ستواجه بابتكارات جديدة من قبل الشباب للتصدي لها، ومن بينها ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ ظاهرة «طمس لوحات المركبات»، حيث رصدت الدوريات الأمنية العام الماضي في منطقة الرياض فقط قرابة 110 آلاف مخالفة من هذا النوع، سواء بهدف تحاشي رصد كاميرات «ساهر» أو لممارسة التفحيط. والمعادلة هنا باتت واضحة، فكلما اكتفينا بمنع وردع الشباب في مسألة ما، ساهمنا بشكل أو بآخر في بناء «مجتمع الظل» أو «المجتمع الخفي» الذي يبتكر حلولا لتمارس فيه شتى أنواع المحظورات والممنوعات.
ولذلك.. احتضان الشباب بحاجة إلى معالجات مبتكرة دوريا لامتصاص طاقات هذه الفئة وتوظيفها في إطار إيجابي ومواجهة مخاطر الانفتاح الكبير على المجتمعات الأخرى عبر وسائل التواصل التقني التي سهلت نقل العديد من السلوكيات السلبية التي تغزو عقول الشباب، وهذا الأمر لا يتم دون استراتيجية وطنية لدراسة قضايا الشباب وتستجيب للمتغيرات السريعة التي تطرأ على المجتمع وتتقبل التعايش منطقياً مع واقعنا اليوم، بالإضافة إلى إشراك القطاع الخاص ودعمه بتسهيلات استثمارية لتطوير وسائل الترفيه المتاحة، أما إيكال أمر هذه الفئة إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب، فقد أوضح عضو الشورى الدكتور سلطان السلطان رأيه بشفافية وبالنيابة عن الكثير من العامة قائلا أنها: «مهيب كفو!!».