في اللحظة التي وصلنا فيها إلى المطار كان الغبار بانتظارنا.. حتى المطر كان مغبرا والندى صار طينا متيبسا على أوراق الشجر الكئيب. للتو جئنا من بلاد الغربة. وهي بلاد ليس للغبار فيها وطن. لم يكن الغبار هو المشكلة الوحيدة. في الطريق إلى المنزل كانت السيارات تسير بسرعة مخيفة وكأنها في مضمار سباق وكانت كل سيارة تلتف حول الأخرى كأفعى. النظام السائد هو الفوضى، والفوضى عندما نألفها تصبح نظاما مريحا. كنت في بلاد الغربة أقود سيارتي ملتزما بقوانين المرور ومحترما بقية السائقين والسائقات. واكتشفت في بلادي أن احترام النظام يؤدي للفوضى أيضا! بعد أيام تعودت على الفوضى وصرت فوضويا أنا الآخر.
**
الناس في الرياض يسيرون بسرعة سواء على السيارات أو على أقدامهم. في السوق لا أكاد ألمح وجه أحد.. كل الوجوه تمر كطيف عابر. كلها تتشابه.
**
شوارع الرياض تطورت وليتها لم تتطور.. فالتطور هنا يعني أن يكون بين الحفرية والحفرية حفرية.. ويصبح مسار السيارات كما لو كان مسار أرانب؛ تخرج من جحر لتدخل جحرا آخر. ولكن هذا لم يمنع من الفوضى والتفحيط.
**
لو كان لي من الأمر شيء لغلظت العقوبة على المفحطين.. ولجعلت لهم عقوبات مساوية لعقوبات الإرهابيين.. فالإرهابي والمفحط يقتلان الأبرياء عمدا. أجل، فالمفحط الذي يقود بسرعة جنونية داخل الأحياء الآمنة والمطمئنة هو كمن يرمي بالرصاص في كل اتجاه. أتمنى فعلا أن يعامل المفحطون كما يعامل مهربو المخدرات والإرهابيون وقطاع الطرق.
**
لفت الكاتب عبدالله المطيري نظري إلى نقطة مهمة في التعامل مع الآخر.. يقول: بينما يكلمنا الأمريكان بلغتهم الإنجليزية الأصلية دون تكسير ولا تحرير.. نقوم بمخاطبة الأجانب غير العرب بلغة عربية مكسرة. ويرى أننا إذ نخاطب العمال والأجانب بلهجتنا المحلية كما هي بدون تكسير فإننا نعبر عن احترامنا لهم ومعاملتهم بالمثل. وأؤيد المطيري فيما ذهب إليه.. وأقولها من تجربة شخصية.. ولو لم يخاطبني الناس بالإنجليزية الأصيلة لما تعلمت بشكل صحيح بل ولما شعرت بالرضا والأمن النفسي. وأما عندنا، فإن العامل قد يمضي قسطا كبيرا من عمره في السعودية ولا يعرف كيف يتكلم بكلامنا بل بكلام مكسر وركيك نخجل من التخاطب به فيما بيننا.
**
كانت فرصة جميلة لي بأن ألتقي ببعض الأصدقاء وأن نتناقش في كل شيء.. في السياسة والأدب والفكر والدين والغبار! هذا الشيء الوحيد الذي يغريني بالرياض. فهي تجمع مثقفين ومثقفات كثرا.. وتكون اللقاءات في المقاهي.. لكنها لم تصبح بعد كالمقاهي الثقافية الشهيرة في أوروبا ومصر ولبنان. الرياض مدينة حديثة وليس لها تاريخ موغل في القدم.. هي مدينة العابرين.
**
البدو لا تربطهم بالأرض علاقة وجودية عميقة.. إنهم سطحيون (بالمعنى النيتشوي)، أي يعمرون الدنيا أفقيا لا رأسيا. والرياض على نحو من الأنحاء مدينة البدو: فرغم أنها مدينة عصرية إلا أنها تتسع أفقيا. والبداوة ليست تخلفا ولا عيبا بل هي نمط حياة لازال مستمرا. ويمكن مقارنة الرياض بكثير من المدن الأمريكية التي تخلو من أي عمق تاريخي.. والأمريكان شعب بدوي يحب الترحال.. ولم أجد أمريكيا واحدا يعمل في المدينة التي ولد فيها!.
قريتنا الصغيرة تنفتح على صحراء شاسعة.. وقد ذهبت “للبر” في رحلات استجمامية مع أهلي وأصدقائي.. الصحراء لاتزال تاريخنا الجميل. إنها تليق بنا ونليق بها. والغريب أن الصحراء كانت صافية وخالية من الغبار!.
**
عندما رأى ابني الغبار.. سألني مستغربا: أهذا ضباب يا أبي؟! قلت : نعم يا صغيري.. هذا ضبابنا في نجد. فتمتع من شميم (غبار) نجدٍ .. فما بعد العشية من (غبار)!.
**
الناس في الرياض يسيرون بسرعة سواء على السيارات أو على أقدامهم. في السوق لا أكاد ألمح وجه أحد.. كل الوجوه تمر كطيف عابر. كلها تتشابه.
**
شوارع الرياض تطورت وليتها لم تتطور.. فالتطور هنا يعني أن يكون بين الحفرية والحفرية حفرية.. ويصبح مسار السيارات كما لو كان مسار أرانب؛ تخرج من جحر لتدخل جحرا آخر. ولكن هذا لم يمنع من الفوضى والتفحيط.
**
لو كان لي من الأمر شيء لغلظت العقوبة على المفحطين.. ولجعلت لهم عقوبات مساوية لعقوبات الإرهابيين.. فالإرهابي والمفحط يقتلان الأبرياء عمدا. أجل، فالمفحط الذي يقود بسرعة جنونية داخل الأحياء الآمنة والمطمئنة هو كمن يرمي بالرصاص في كل اتجاه. أتمنى فعلا أن يعامل المفحطون كما يعامل مهربو المخدرات والإرهابيون وقطاع الطرق.
**
لفت الكاتب عبدالله المطيري نظري إلى نقطة مهمة في التعامل مع الآخر.. يقول: بينما يكلمنا الأمريكان بلغتهم الإنجليزية الأصلية دون تكسير ولا تحرير.. نقوم بمخاطبة الأجانب غير العرب بلغة عربية مكسرة. ويرى أننا إذ نخاطب العمال والأجانب بلهجتنا المحلية كما هي بدون تكسير فإننا نعبر عن احترامنا لهم ومعاملتهم بالمثل. وأؤيد المطيري فيما ذهب إليه.. وأقولها من تجربة شخصية.. ولو لم يخاطبني الناس بالإنجليزية الأصيلة لما تعلمت بشكل صحيح بل ولما شعرت بالرضا والأمن النفسي. وأما عندنا، فإن العامل قد يمضي قسطا كبيرا من عمره في السعودية ولا يعرف كيف يتكلم بكلامنا بل بكلام مكسر وركيك نخجل من التخاطب به فيما بيننا.
**
كانت فرصة جميلة لي بأن ألتقي ببعض الأصدقاء وأن نتناقش في كل شيء.. في السياسة والأدب والفكر والدين والغبار! هذا الشيء الوحيد الذي يغريني بالرياض. فهي تجمع مثقفين ومثقفات كثرا.. وتكون اللقاءات في المقاهي.. لكنها لم تصبح بعد كالمقاهي الثقافية الشهيرة في أوروبا ومصر ولبنان. الرياض مدينة حديثة وليس لها تاريخ موغل في القدم.. هي مدينة العابرين.
**
البدو لا تربطهم بالأرض علاقة وجودية عميقة.. إنهم سطحيون (بالمعنى النيتشوي)، أي يعمرون الدنيا أفقيا لا رأسيا. والرياض على نحو من الأنحاء مدينة البدو: فرغم أنها مدينة عصرية إلا أنها تتسع أفقيا. والبداوة ليست تخلفا ولا عيبا بل هي نمط حياة لازال مستمرا. ويمكن مقارنة الرياض بكثير من المدن الأمريكية التي تخلو من أي عمق تاريخي.. والأمريكان شعب بدوي يحب الترحال.. ولم أجد أمريكيا واحدا يعمل في المدينة التي ولد فيها!.
قريتنا الصغيرة تنفتح على صحراء شاسعة.. وقد ذهبت “للبر” في رحلات استجمامية مع أهلي وأصدقائي.. الصحراء لاتزال تاريخنا الجميل. إنها تليق بنا ونليق بها. والغريب أن الصحراء كانت صافية وخالية من الغبار!.
**
عندما رأى ابني الغبار.. سألني مستغربا: أهذا ضباب يا أبي؟! قلت : نعم يا صغيري.. هذا ضبابنا في نجد. فتمتع من شميم (غبار) نجدٍ .. فما بعد العشية من (غبار)!.