-A +A
عبدالله دحلان

سبق أن كتبت وكتب غيري وأعيد اليوم الكتابة مؤكدا أن خيار المملكة الاقتصادي على المدى الطويل هو الصناعة. وطالبت ولازلت أطالب بضرورة وضع استراتيجية صناعية طويلة المدى تحدد مسار الصناعات السعودية في الخمسين سنة القادمة سواء كانت صناعات أساسية مثل البتروكيماوية أو صناعات تعتمد على الثروة المعدنية المتوفرة في جميع أنحاء المملكة أو صناعات تحويلية صغيرة ومتوسطة بالإضافة إلى الصناعات الثقيلة المتخصصة مثل صناعة طوربينات توليد الطاقة الكهربائية أو تحلية المياه، ونحن من أكبر دول العالم استخداما لمحطات التحلية لتوفير المياه المحلاة شريان الحياة في المملكة. وللحقيقة هناك جهود جبارة بذلت في إنشاء البنية التحتية للمدن الصناعية وهناك دعم تمويلي متميز للصناعة من خلال صندوق التنمية الصناعية وهناك تسهيلات جمركية متمثلة في إعفاءات جمركية للمكونات الأساسية للصناعة. وهناك جهود عظيمة بذلت من القطاع الخاص شركات مساهمة أو مؤسسات فردية لدخول مجال الصناعة بتقنية دولية من خلال شراكات مع شركات متخصصة عالميا. ولنا الحق أن نفخر بالإحصائيات الرسمية الأخيرة التي أوضحت أن حجم الاستثمارات الصناعية بالمملكة وصل إلى أكثر من تريليون ريال، ووصل عدد العمالة في المصانع الوطنية إلى أكثر من 935 ألف عامل، ووصل عدد المصانع إلى 6871 مصنعا ، وارتفعت عدد المدن الصناعية إلى 34 مدينة صناعية. وهناك خطة للتوسع في مساحات المدن الصناعية لتصل إلى 220 مليون متر مربع في عام 2020م . وهناك تسهيلات كبيرة مقدمة للمستثمرين لخفض النواحي الإجرائية في الحصول على التراخيص الصناعية مما رفع المملكة إلى المرتبة الأولى والأكبر وسط دول الخليج ستثمارا في الصناعة حيث بلغت نسبة 51.3% من إجمالي الاستثمارات الصناعية في دول الخليج . وبناء على تقرير منظمة الخليج للإستثمارات الصناعية (جويك) أن صناعة البتروكيماويات بدول مجلس التعاون الخليجية شهدت خلال السنوات الماضية ارتفاعا كبيرا مما جعلها من ضمن أهم دول العالم تصديرا لمنتجاتها في العالم ومن أكبر المؤثرين في العرض والطلب وفي رفع وخفض الأسعار عالميا. حيث وصل حجم الأموال المستثمرة في الصناعات البتروكيماوية حوالى 220 مليار دولار في جميع دول الخليج.

هذه نبذة عن الصناعة في المملكة وموقعها في دول الخليج وهي في وجهة نظري الشخصية أكبر مبرر ومؤيد لمطالبتي بضرورة فصل الصناعة عن وزارة التجارة لتكون وزارة مستقلة، ومن وجهة نظري ستصبح من أهم الوزارات التي ستحقق خيارنا الإستراتيجي الأول في تنويع مصادر الدخل عن طريق الصناعة بأنواعها الأساسية والتحويلية وصناعة مشتقات البترول وصناعات الثروة المعدنية. وأجزم أن هذا الخيار الإستراتيجي لإقتصاد بلادنا في أمس الحاجة إلى وزارة متخصصة تضع إستراتيجية صناعية وطنية طويلة المدى تربط البحث العلمي في تطوير التقنية وتصديرها وعدم الاعتماد على التقنيات المستوردة. وإذا كنا قد أنشأنا وزارة مستقلة للبترول بإعتباره المصدر الرئيسي للدخل منذ تأسيس المملكة فإن الحاجة أصبحت ضرورية لإنشاء وزارة للصناعة لتحقيق خيارنا الإستراتيجي في تنويع مصادر الدخل، والأسباب والمسببات عديدة تم ذكرها. وقد توصلنا لها وأوصينا بها عندما تشرفت بعضوية مجلس الشورى قبل سنوات وتفاءلت كثيرا عندما أطلعتنا صحيفتنا العريقة والقديرة (عكاظ) في عددها 4876 من يوم الخميس 29/12/1435هـ الموافق 23/10/2014م عبر مصادرها المطلعة عن إمكانية صدور قرار خلال ثلاثين شهـرا يقضي بفصل وزارة التجارة والصناعة إلى وزارتين مستقلتين تختص إحداهما بالشؤون التجارية والأخرى بالشؤون الصناعية، ولاسيما أن البنية الهيكلية مؤسسة للانفصال والمسؤولية على القطاعين التجاري والصناعي كبيرة جدا وهيكلية وزارة الصناعة على أرض الواقع موجودة ومنها المدن الصناعية والمدن الاقتصادية وصندوق التنمية الصناعي والمعاهد الصناعية ومركز الصادرات ويضاف إليها هيئة الإغراق (تستحدث) لمحاربة الإغراق في أسواقنا من المنتجات المماثلة المستوردة من الخارج والدفاع عن قضايا الإغراق المقامة ضد صادرات منتجات الصناعات السعودية في الأسواق العالمية. واستحداث (مركز نقل التقنية الصناعية وتطويرها) على أن يسند لوزارة الصناعة الصناعات الحرفية اليدوية والإنتاج الصناعي من الأسر المنتجة .
إن قرار إعادة وزارة الصناعة أجزم أنه سيكون له إيجابية كبيرة ومردود أكبر على مستوى خيارنا الإستراتيجي للصناعة في المملكة. ولنبني ثقافة التصنيع بعد أن طغت ثقافة الاستيراد على أكثر من 90% من رجال الأعمال منذ تأسيس المملكة. وأصبحنا مجتمعا مستوردا أكثر من مصنع..