في هذه الأيام ــ وقبل دخول شهر الخير ــ نشطت الهجمة الموسمية التي يقودها بعض المتنطعين ضد وسائل إعلامية محلية، وقد وصلت في ذروتها إلى إجازة هدر الدم، وفي أدناها إلى مقاطعة تلك القنوات. وهذه الحملة التحريضية العدوانية ربما تقود شابا ــ مهووسا ــ لتنفيذ مقاصد تلك الدعوة بإهدار الدم، ولو أن هناك قانونا رادعا للجم أصحاب تلك الدعوات لما وجدت أحدا يوصي بتوزيع هذه العدوانية..
وتكتسب تلك الدعوات نفوذها في المجتمع؛ بسبب أن المتزعمين لها هم شخصيات تنطلق من مواقعها الوعظية؛ كي تأجج المشاعر من خلال المنابر والندوات التي يلقونها على مسامع الكثيرين ــ ممن يعي وممن لا يعي ــ فيتم تعميم الإيذاء والكره وهذه الفوضى، وكان من الواجب توفر قانون يحمي الأطراف بعضها من بعض.
والتساهل مع هؤلاء المنادين بمحاربة الوسائل الإعلامية المحلية، يبدأ بمقاطعة قناة فضائية، وينتهي بشاب يفجر نفسه في أي مكان داخل البلد أو خارجها، ولأن المنساقين لمثل تلك الدعوات هم من الفئة العمرية الصغيرة.
* *
الفن أداة توعية وكشف ولا يقبل المهادنة مهما تمت محاصرته، حيث يجد المنافذ للخروج ومكاشفة الناس بواقعهم، وقد دخل الفن كأداة وعي من وقت مبكر منذ العهد الإغريقي والروماني، بل وقبل هذين العهدين بكثير، فمنذ العصور البدائية والفن يمارس دوره، فقبل الكتابة ظهرت الرسوم داخل وخارج الكهوف، حتى إذ عرف الإنسان المحادثة الشفوية شرع في صياغة أدوات فنية لمخاطبة واقعه في معارضة الظلم أو التغني بجماليات الحياة، فظهرت جملة من الفنون كملهاة تجسد الواقع وتنتقده.. وكلما مضى زمن وتطورت أدواته كان الفن حاضرا يتلبس لبوس العصر ويمارس رسالته النقدية.. وقد سجلت أدوات الفن في كل مرحلة زمنية حضورها النقدي الذي يقف مع مبادئ الوجود الإنساني، وكانت كل أداة فنية تجابه بشتى أنواع القمع والتعتيم، إلا أن رسائلها وصلت إلينا مخترقة الزمن ومجسدة الفترة التي عاشتها..
والآن، ومع التقنية العالية، استطاعت البشرية أن تحفظ ذلك الإرث الإنساني لكل الفنون، فأي منا يستطيع أن يختار أي عصر ويتفقد أحواله وما حدث فيه، مبقين الفضل لأدوات الفن التي استطاعت أن تسجل تاريخها الاجتماعي. وإذا فرغنا من هذه المقدمة كتأسيس إلى أن الفنون تظل محاربة كلما جنحت إلى كشف المستور أو توعية المجاميع بما يتناقض مع السائد، فإننا نجد هذه الحرب حاضرة في كل زمان ومكان، وكان منطقيا أن تحدث تلك الحروب في أزمنة لم تنفجر فيها (الميديا) بهذه الصورة الحادثة في زمننا، حيث كانت تحرص السلطة الاجتماعية على إبقاء وجودها وفق التغذية الثقافية التي توصلها للمنضويين تحت لوائها، كان ذلك مقبولا في زمن مضى، أما في هذا الزمن، فمن الصعوبة بمكان محاصرة الفن ورسائله المتنوعة بتنوع أدواته، حيث لم يعد بالإمكان محاصرة هذه الأدوات وفرض آلية واحدة للتعامل مع المجاميع التي تتلقى ثقافتها من مواقع لا حصر لها.
إن الخشية تنبع من الشعور بالضعف الكامن في ثقافة المحتج على وسائل الإعلام، مما تجعل أي تعبير أو نقد لثقافته يجلب له القلق والانفعال، ويحدث هذا ليس من أجل نفسه فقط، بل خشية أيضا على أتباعه من أن تتزعزع ثقتهم مما سيطلعون عليه، فهذا المحتج يرى أن أتباعه ليس لديهم الحصانة في رفض ما يخالف قناعاتهم، وهو بهذا يكشف رقة حال ثقافته.. وهذه هي القضية ــ ببساطة ــ في القبول أو الرفض.
وتكتسب تلك الدعوات نفوذها في المجتمع؛ بسبب أن المتزعمين لها هم شخصيات تنطلق من مواقعها الوعظية؛ كي تأجج المشاعر من خلال المنابر والندوات التي يلقونها على مسامع الكثيرين ــ ممن يعي وممن لا يعي ــ فيتم تعميم الإيذاء والكره وهذه الفوضى، وكان من الواجب توفر قانون يحمي الأطراف بعضها من بعض.
والتساهل مع هؤلاء المنادين بمحاربة الوسائل الإعلامية المحلية، يبدأ بمقاطعة قناة فضائية، وينتهي بشاب يفجر نفسه في أي مكان داخل البلد أو خارجها، ولأن المنساقين لمثل تلك الدعوات هم من الفئة العمرية الصغيرة.
* *
الفن أداة توعية وكشف ولا يقبل المهادنة مهما تمت محاصرته، حيث يجد المنافذ للخروج ومكاشفة الناس بواقعهم، وقد دخل الفن كأداة وعي من وقت مبكر منذ العهد الإغريقي والروماني، بل وقبل هذين العهدين بكثير، فمنذ العصور البدائية والفن يمارس دوره، فقبل الكتابة ظهرت الرسوم داخل وخارج الكهوف، حتى إذ عرف الإنسان المحادثة الشفوية شرع في صياغة أدوات فنية لمخاطبة واقعه في معارضة الظلم أو التغني بجماليات الحياة، فظهرت جملة من الفنون كملهاة تجسد الواقع وتنتقده.. وكلما مضى زمن وتطورت أدواته كان الفن حاضرا يتلبس لبوس العصر ويمارس رسالته النقدية.. وقد سجلت أدوات الفن في كل مرحلة زمنية حضورها النقدي الذي يقف مع مبادئ الوجود الإنساني، وكانت كل أداة فنية تجابه بشتى أنواع القمع والتعتيم، إلا أن رسائلها وصلت إلينا مخترقة الزمن ومجسدة الفترة التي عاشتها..
والآن، ومع التقنية العالية، استطاعت البشرية أن تحفظ ذلك الإرث الإنساني لكل الفنون، فأي منا يستطيع أن يختار أي عصر ويتفقد أحواله وما حدث فيه، مبقين الفضل لأدوات الفن التي استطاعت أن تسجل تاريخها الاجتماعي. وإذا فرغنا من هذه المقدمة كتأسيس إلى أن الفنون تظل محاربة كلما جنحت إلى كشف المستور أو توعية المجاميع بما يتناقض مع السائد، فإننا نجد هذه الحرب حاضرة في كل زمان ومكان، وكان منطقيا أن تحدث تلك الحروب في أزمنة لم تنفجر فيها (الميديا) بهذه الصورة الحادثة في زمننا، حيث كانت تحرص السلطة الاجتماعية على إبقاء وجودها وفق التغذية الثقافية التي توصلها للمنضويين تحت لوائها، كان ذلك مقبولا في زمن مضى، أما في هذا الزمن، فمن الصعوبة بمكان محاصرة الفن ورسائله المتنوعة بتنوع أدواته، حيث لم يعد بالإمكان محاصرة هذه الأدوات وفرض آلية واحدة للتعامل مع المجاميع التي تتلقى ثقافتها من مواقع لا حصر لها.
إن الخشية تنبع من الشعور بالضعف الكامن في ثقافة المحتج على وسائل الإعلام، مما تجعل أي تعبير أو نقد لثقافته يجلب له القلق والانفعال، ويحدث هذا ليس من أجل نفسه فقط، بل خشية أيضا على أتباعه من أن تتزعزع ثقتهم مما سيطلعون عليه، فهذا المحتج يرى أن أتباعه ليس لديهم الحصانة في رفض ما يخالف قناعاتهم، وهو بهذا يكشف رقة حال ثقافته.. وهذه هي القضية ــ ببساطة ــ في القبول أو الرفض.