-A +A
شايع بن هذال الوقيان
الحب أفضل من الكره.. والتسامح أفضل من التعصب. وشهر رمضان لا ينبغي أن يكون صوما عن الأكل والشرب فقط.. ولا عن السب والشتم والنميمة فقط.. بل عن التعصب ونشر الكراهية بين الناس. وأساس السلم الاجتماعي هو التسامح والمحبة واللين بين أفراده وشرائحه.. ولا يستفيد من التعصب والكراهية إلا فئة قليلة ترى أن بقاءها ومصلحتها قائمة على الضغائن وليس الود. كثيرون منا للأسف يظنون أن الكراهية والتشدد والتعصب ضد المخالفين لنا هو من صميم الدين.. وهذا وهم وشطط. الكراهية تكون للعدو الواضح والمباشر والباغي وليس للمخالف لنا في الدين أو المذهب. فلا يقع في الظن يوما أن الله يريد أن نتقرب إليه بالكراهية والضغائن.
لو تصورنا أن مجموعة من الناس مختلفي الديانة اجتمعوا في جزيرة منعزلة.. فسنجد أن الغريزة الإنسانية ستدفعهم للتعاون والوئام والتراضي. ولذا فالكراهية لا تأتي من الواقع الحي والصادق بل من دعاة الفتن والبغضاء ممن تغذت عقولهم من فاسد الكتب. وهناك قصة يوردها علي الوردي في أحد كتبه عن أن مسلمين في أمريكا اختصما بشأن الصحابيين معاوية وعلي وأن هذا أحق من ذاك بالرياسة.. وتساءل أحد الأمريكان: هل علي ومعاوية مرشحان للانتخابات الرئاسية عندكم؟! ويا لصدمته عندما عرف أنهما يختصمان في مسألة مر عليها أكثر من ألف وأربعمائة عام. وهذا دليل على أن منشأ التعصب ليس الواقع المعاش بل الكتب القديمة الموتورة ودعاة الفرقة المذهبية.

القصة أن دعاة من المذهب الفلاني اختصموا مذهبيا وسياسيا مع دعاة المذهب العلاني.. وكلاهما مجموعة قليلة من البشر يعتاشون على الكتب الصفراء القديمة.. ولكنهم جروا معهم شعوبا كاملة لنير التعصب. وهي مصيبة حضارية وكارثة اجتماعية. فما دخل الناس البسطاء في مشاكلكم القديمة؟! والمشكلة أن الإعلام والإنترنت بدلا من القضاء على دعاة الكراهية ساعد على نشر أفكارهم الموتورة. وأنا أتساءل: أليس فيهم رشيد يدعو للحب والتسامح والسلام؟! سيقول أحد الفرقاء إنهم أول من بدأ الخصومة وأول من جاهر بالعداوة.. وسيرد الثاني: بل أنتم من بدأتم.. وهكذا في ردح صبياني لا ينتهي. وهذا الردح لن ينتهي ما دام الناس مصغين لهم ولخطابهم.
أتمنى من كل قلبي أن تسن القوانين الصارمة والرادعة لكل دعوى للفتنة والتعصب والكراهية.. فقد مللنا.. قرون طويلة من الاقتتال والكره. ألا يكفي هذا؟! قرون طويلة ولم يستفد أحد من هذه الصراعات المذهبية ولن يستفيد أحد ومن قال غير ذلك فقد بغى.
إن عبادة الله وطاعته حق الطاعة لن تكون نزيهة ونقية وهي تتم في جو متكهرب ومضطرب ومليء بالبغضاء. فحب الله لا يصدر من قلب مليء بالكراهية. أعرف أن هناك من يسخر من هذا القول ويراه مثالية.. ولكنها الحقيقة.. فمن تعود قلبه على الكراهية لن يكون قلبه مصدرا للحب أبدا.
الدين ليس مجرد شكليات وطقوس بل هو أخلاق رفيعة.. وهي أخلاق لا حدود لها وتشمل كل الناس ممن كف أذاه والتزم جادة السلام. فهل نصل إلى اليوم الذي نعرف فيه أن الصوم عن التعصب والكراهية عنصر أساسي في هذه الشعيرة؟! وهل سيكون للصوم مغزى أخلاقي سام إذا كان مجرد امتناع عن الأكل والشرب؟!
مقالي هذا ودعوتي هذه ليست الأولى ولا الأخيرة.. وسيظل دعاة التعصب سادرين في غيهم.. ولن يردعهم سوى القانون الصارم. وقد حان وقته.