-A +A
نصير المغامسي (جدة)
تعددت الدراسات العلمية التي تشير إلى المخاطر التي تفرزها مشاهدة التلفاز لفترات طويلة، وخاصة على الأطفال والمراهقين.
من ذلك الدراسة الطبية التي أجراها الدكتور مارك بيبوبر، أستاذ طب الأطفال في جامعة فرجينيا الأمريكية، أكد فيها أن مشاهدة الأطفال للتلفزيون ما بين ساعة إلى ساعتين يوميا، يعرضهم للبدانة وزيادة الوزن. بينما تشير دراسة أخرى قام بها باحثون في جامعة بتسبرج، إلى أن زيادة ساعات المشاهدة تزيد من مخاطر الاكتئاب في المستقبل.
ما يعني أن أطفالنا مهددون بأمراض جسدية ونفسية، تتسبب بها مشاهدة التلفاز.. وتستشري مع استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت.


يقول استشاري التغذية العلاجية ونائب رئيس الجمعية السعودية للغذاء الدكتور خالد بن علي المدني، هذه الدراسات وأن انحصر بعضها على شريحة الأطفال، إلا أنها تنسحب أيضا على كافة المستويات العمرية سواء للذكور أم الإناث. وهي دراسات تهدف إلى التحذير من الممارسات التي تؤدي في نهايتها لإصابة المرء بالسمنة.
وقال: مشاهدة التلفزيون لوحدها لا تؤدي إلى السمنة، وإنما تناول الأطعمة في أوقات المشاهدة ولأشخاص لا يؤدون أي نشاط رياضي فهي بالتأكيد ستقودهم إلى السمنة، وهو مرض لا يستثني من يفضل الطعام والجلوس أمام التلفزيون لساعات ولا يؤدي أي نشاط رياضي. وأضاف: «جرت العادة أن الإنسان عندما يشاهد التلفزيون يتناول الوجبات ذات السعرات الحرارية المرتفعة، أو المكسرات. وتكرار ذلك على مدى الأسبوع دون القيام بأي جهد بدني سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع في الوزن»، واستطرد المدني: «الأطفال في هذا الوقت بالذات حيث انتشار الفضائيات ووسائل الاتصال الاجتماعي ومطاعم الوجبات السريعة، هم الأكثر عرضة لمخاطر السمنة، على اعتبار أنهم وعند إصابتهم بها يصعب خضوعهم لبرامج غذائية تخسيس معالجة، أو للتدخل الجراحي لا سمح الله». مضيفا: «قبل ثلاثة عقود، كان يندر وجود أطفال يعانون من السمنة المكتسبة، باعتبار أن ساعاتهم أمام التلفاز محدودة جدا، وممارستهم للأنشطة الرياضية وللحركة اليومية كانت عديدة ومتاحة، بخلاف أطفال الجيل الحالي الذين أصبح معظمهم أسيرا للتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي».
بدورها، أكدت استشارية التغذية الدكتورة رويدا أدريس، أن الأطفال في وقتنا الحالي يواجهون مخاطر الوجبات السريعة والجاهزة كالتي تقدم عند مشاهدة البرامج. وقالت: «معظم ما يقدم خارج نطاق المنزل يتسم بالسعرات الحرارية المرتفعة وتشبعه بالدهون». مشيرة إلى أن ذلك ليس قاصرا على الوجبات السريعة التي اعتاد الأطفال تناولها، وإنما يشمل معظم ما تقدمه المطاعم التجارية من شاورما وفلافل وشيش طاووق وحتى الرز البخاري الذي يمتاز بانخفاض سعراته الحرارية لكنه يتشبع بالدهون.
وأضافت: «بل حتى المنزل يقدم فيه بعد الوجبات الرئيسية كثير من الأكلات التي لا يخلوا أكثرها من المكسرات والتمور المشبعة بالسمن البلدي، وهو ما يضاعف من مخاطر السمنة، وخاصة للأطفال الذين أصبح أكثرهم لا يمارسون الرياضة بل ولا يكترثون لها، بسبب مكوثهم لساعات طويلة أمام التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي».


تأثيرات مزمنة
لا يقتصر تأثير المشاهدة للتلفاز أو الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي على الأضرار بالجسم عبر زيادة الوزن والتداعيات الصحية، وإنما هناك تأثيرات نفسية واجتماعية لا تقل ضررا عن تأثيرات السمنة.
يشير الباحث الاجتماعي الدكتور عبدالناصر اليامي إلى أن الأطفال هم أكثر شرائح المجتمع تأثرا بوسائل الاتصال، سواء أكان ذلك من خلال استخدامات الهواتف الذكية، أو الألعاب والبرمجيات الإلكترونية، أو النت والتلفاز، فهم بطبيعتهم يتأثرون بالأمور الإيجابية أو السلبية على حد سواء، ويمكن استمالتهم لأي جانب كان، باعتبار أنهم لا يمتلكون النضج الكافي الذي يمكنهم من اختيار الصالح دون غيره، ومن هنا تنبع خطورة إصباتهم بالاكتئاب النفسي، سواء بسبب المعلومات الخاطئة التي قد يتلقونها، من قبل ضعاف النفوس أفرادا أو منظمات عبر وسائل الاتصال المختلفة. ويضيف اليامي: مصدر القلق نحو القنوات الفضائية الموجودة وبرامج التواصل الاجتماعي بما تحتويه إلى جانب الإنترنت، هو أن قيم مجتمعنا وعاداته تختلف بشكل كبير عن المجتمعات الأخرى، فما قد يعتبره البعض مناسبا للأطفال، قد لا يتناسب مع ثقافة أطفالنا من عادات وقيم، وهذا يشكل تحديا كبيرا يواجه الأسرة السعودية. وهو ما تم التغلب عليه في السابق حين كان الأمر يقتصر على أجهزة الكمبيوتر المكتبية والتي يتم ضبط استخدامها وتحديد أوقات الاستخدام المناسبة لها، بالإضافة إلى أنه يمكن وضعها في مكان تجمع العائلة ليكون دخول الطفل للشبكة العنكبوتية في ظل وجود الأهل. أما الآن فقد اختلفت الأمور بسبب الانتشار الكبير للأجهزة الذكية بأنواعها المختلفة والتي أصبحت متوفرة في أيدي الأطفال صباحا ومساء مما جعل أمر مراقبة الطفل أكثر صعوبة من ذي قبل.
ويؤكد اليامي أن حرمان الطفل من استخدام الأجهزة الذكية ومن الوصول إلى شبكة الإنترنت ليس هو الحل المناسب، بل المطلوب وضع ضوابط محددة لاستخدامها، وأن يكون الاستخدام بإشراف من الوالدين أو أحدهما، ولا بأس من الاهتمام بالبحث عن مواقع وبرمجيات مفيدة للطفل. مؤكدا أنه وفقا لإحصائيات مركز بيو لأبحاث الإنترنت الأمريكي عن مرتادي الشبكات الاجتماعية تبين أن متوسط عمر الطفل عندما يبدأ باستخدام الشبكات الاجتماعية بانتظام هو (8) سنوات، على الرغم أن العمر الأدنى المشروط لاستخدام موقع اجتماعي مثل (الفيس بوك) مثلا هو (13) عاما. وأنه يوجد تقريبا خمسة ملايين طفل يستخدمون الشبكات الاجتماعية دون سن العاشرة. حيث يمضي الأطفال من سن (8-12) عاما ما يقارب العشر ساعات يوميا في الاستعراض والمشاركة في الشبكات الاجتماعية، وأن (51%) من مجموع الأطفال -بحسب إحصائية المركز- أقروا أنه تم التحرش بهم جنسيا من قبل الآخرين في الشبكات الاجتماعية باستخدام الدردشة الصوتية أو الكتابية.
ويستطرد اليامي أن المشكلة الأكبر في هذا الموضوع تتمثل حين يتجذر العالم الخيالي المستمد من برامج ومسلسلات الأطفال في شخصية الطفل، ويتسبب له في الانطواء والعزلة عن المجتمع.

أضرار نفسية
من جهتها، قالت أخصائية علم النفس والمحاضرة في جامعة الملك عبدالعزيز خلود ناصر، أنه كلما صغر عمر الطفل المستقبل لبرنامج التلفزيون يصعب عليه التمييز بين الواقع الذي يعيشه وبين الخيال الذي يشاهده فيعتقد أن كل ما يشاهده هو حقيقة قابلة للتحقيق. بالإضافة إلى أن تعرض الطفل لقيم مخالفة لقيمنا المعهودة، ولعادات غريبة عن مجتمعاتنا المحافظ تجعله في حالة من الصراع القيمي تجعله يعيش في ظل الأفكار المتناقضة التي تدخله لدائرة الصراع النفسي. وكمثال لذلك بعض الأفلام التي تصور الكذب والخداع بأنه نوع من الذكاء الاجتماعي التي تجعل الفرد جذابا ومحبوبا من الآخرين، وقد حذرت الكثير من الدراسات المحلية من خطورة مشاهدة الأفلام الأجنبية دون توجيه من حيث إنها تساعد الطفل على تقليد السلوك الإجرامي وتبني الأفكار والخطط المستخدمة في تنفيذ الجريمة.
وتضيف: هذا بالإضافة إلى أن العديد من الدراسات النفسية أشارت إلى أن الأطفال الذين يشاهدون برامج التلفزيون بشكل عشوائي هم أقل إبداعا وابتكارا من الأطفال الذين يشاهدون برامج مختارة لهم من قبل الأهل ومحددة بوقت معين يسمح لهم ممارسة أنشطة إبداعية أخرى، حيث إن انخراط الأطفال في المشاهدة وقضاء وقت طويل فيها في وحدة وصمت له العديد من التأثيرات السلبية التي تقلل من فرص التفاعل المثمر للطفل مع غيره من أفراد مجتمعه وتجعله يعيش حالة من الانسحاب والانعزال بالإضافة إلى معاناته من السمنة والكسل والخمول نتيجة الجلسة الطويلة أمام التلفاز، وهي الأمراض التي ستظل تلازمه في كبره.. ولربما كهولته.
وتستطرد خلود ناصر: العديد من الدراسات النفسية أكدت أن تعرض الأطفال للبرامج غير المناسبة يسبب لهم آثارا بعيدة المدى على السلوك والفكر الخاص بهم. فمثلا عند مشاهدة الطفل لنشرات الأخبار المليئة بالحروب والجرائم والعدوان فإن وجدانه يرى أن العنف شيء طبيعي ومقبول ومن الممكن ممارسته في حياته الطبيعية، وسوف يقوي النزعة العدوانية في سلوكه وعدم القدرة على ضبط انفعالاته واستخدام العنف بدلا من الحوار وانعدام استشعار الأمان. كذلك الحال بالنسبة للبرامج التي تثير الخوف والقلق عند الطفل كالأفلام المرعبة، فهي حتما ستنمي لديه العديد من اضطرابات النوم كالأحلام المزعجة والنوم المتقطع، مما يؤثر على حالته الصحية والنفسية. وتضيف: بناء على ما سبق، تتضح لنا العديد من الأمور التي يجب أن نأخذها في عين الاعتبار لضمان مشاهدة آمنة ومفيدة للطفل، حيث يجب تقنين عملية المشاهدة حتى تكون النتائج فعالة. وأول هذه الأمور تتمثل في المراقبة، ولا يخفى علينا أن ديننا الإسلامي الحنيف الذي يربي فينا مبدأ المراقبة الذاتية حث على استشعار معنى المراقبة من الله سبحانه وتعالى، وهذا ما نسعى إلى تعزيزه في نفوس أطفالنا من خلال توجيهاتنا لهم، فالرقابة مهمة جدا خاصة مع الأطفال نظرا لاستحواذ التلفزيون على اهتماماتهم، إلى جانب تحديد وقت للمشاهدة ليس للأطفال فقط بل وللكبار أيضا، فامتداد فترات مشاهدة التلفاز تسبب الملل والإجهاد النفسي، وقد تقود إلى العزلة. فضلا عن الأضرار الصحية التي تصاحب ذلك من إجهاد للحواس، والأمراض الناجمة عن قلة الحركة.. وفي مقدمتها السمنة.

20 ألف حالة وفاة سنويا


كشفت دراسة أجراها كرسي أبحاث السمنة بجامعة الملك سعود بقيادة الدكتور عائض القحطاني أن ثلاثة أرباع المجتمع مصابون بالسمنة (70% من رجال المملكة و75% من نسائها) وأن أكثر من 80% من مرضى السكر من النوع الثاني في المملكة لهم علاقة بالسمنة. في حين اظهرت دراسة للمكتب التنفيذي لمجلس وزارة الصحة الخليجي أن عدد الوفيات بسبب أمراض السمنة في المملكة وصل لنحو 20 ألف حالة سنوياً، ووصل عدد الأطفال المصابين بالسمنة لنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون طفل ، بينما يمثل نسبة الذين يعانون من السمنة 36% من سكان المملكة، في ظل حدوث إصابات بين الأطفال السعوديين بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري وانسداد شرايين القلب بسبب السمنة المفرطة، كما أن مشكلة ارتفاع الكوليسترول باتت مشكلة موجودة في كل بيت.

خيارات العلاج

تتلخص طرق إنقاص الوزن في مزاولة الرياضة، وفي مراقبة السعرات الحرارية وتقليل الوجبات الغذائية المتناولة، الا أن علاج مرض السمنة المزمن، يتلخص في:
- العلاج الطبي
في 1991، توصلت المؤسسة الوطنية للمؤتمر الطبي في بحوثها بأن طرق علاج السمنة غير الجراحي لنقص الوزن غير فعالة على المدى البعيد إلا في حالات نادرة. وقد أظهرت أن أغلب المشاركين في أي من برامج نقص الوزن غير الجراحي للتخلص من السمنة المفرطة قد اكتسبوا الوزن مرة أخرى خلال 5 سنوات. ومع توفر أدوية التخسيس بوصفة أو من غير وصفة طبية لتحفيز خسارة الوزن، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه لفترة طويلة كعلاج طبي للسمنة المميتة والتحكم بها.
العلاج الجراحي
تم ابتكار العديد من العمليات الجراحية لفقد الوزن خلال السنوات 40-50 سنة الماضية. وتتضمن العمليات المعروفة من قبل الجراحين: ربط المعدة (حزام ربط المعدة القابل للتعديل أو غير القابل للتعديل)، وعملية تحوير المعدة بشكل حرف Y ، وعمليات سوء الامتصاص (تعديل مسار عصارة المعدة والبنكرياس).