بمناسبة نهاية العام واسترجاع أبرز أحداثه، فثقافياً وعلى مستوى عالمي كان من أبرزها الفيلم الأمريكي «الجوكر- المهرج» وتحوله لظاهرة عالمية ورمز عالمي تبدى به المتظاهرون في المظاهرات التي تجتاح أنحاء العالم حالياً من أوروبا إلى العالم العربي مروراً بهونج كونج وليس انتهاءً بتشيلي، رغم أن الفيلم يعتبر متواضعاً بميزانيته وحتى بطله هو من الممثلين الثانويين ولا يحظى بأي شعبية وليس بالفيلم حبكة الإثارة التقليدية المتمثلة بمشاهد «+18»، والشخصية ليست شخصية بطل إنما شخصية الشرير، ومع هذا وصل لأن يصبح الفيلم الأكثر ربحية بتاريخ السينما عن فئته بأرباح تفوق المليار دولار، وسر هذه الشعبية العالمية منقطعة النظير هو أن الفيلم شخَّص حالة الإنسان العادي في هذا العصر؛ فالفيلم يحكي قصة رجل يعمل بمهنة مهرج ويؤمن بأن لعمله هذا رسالة سامية وهي إسعاد الناس وهو يقوم برعاية أمه المسنة العاجزة، لكنه منذ صغره تعرض للعنف الأسري ولقسوة العالم وسوء المعاملة وانعدام التعاطف والاحترام والطيبة وحسن النوايا وتعود على أن يعذر الناس ويتحمل بصمت كل إساءاتهم ولذا ورغم كونه يعمل بمهنة نشر الفرح لكنه يخضع للعلاج النفسي ووصف له الأطباء الحد الأقصى الممكن من أدوية الاكتئاب بلا جدوى، فحياة حتى من مهنته نشر الفرح هي تعيسة لأنها خالية من أي قيمة أو معنى عميق أو علاقات حقيقية معمقة، وبالنهاية كقدر الضغط وصل لمرحلة الانفجار الانتقامي العدمي ضد كل من ظلمه مادياً أو معنوياً بمن فيهم أمه فقتلهم، خاصة وأن الحكومة أوقفت الرعاية الصحية المجانية التي كانت توفر له العلاج النفسي، ولم تكن لديه قضية/رسالة/عقيدة يريد خدمتها بجرائم القتل، لكن الشعب الذي يعاني بسبب تجبر الأثرياء والسلطة الفاسدة عديمة الكفاءة ابتهج لتلك الجرائم لأن ضحاياها من الفئات التي لا تبالي بالمعاناة التي تسببها للشعب، فاتخذوه كرمز لثورتهم التي أخذت بطابع رمزها أي العنف، لأن الواقع السائد وثقافته لم تمنح الجوكر والشعب أي أدوات وآليات إيجابية فاعلة تمكنهم من التعبير عن أنفسهم ومعالجة سلبيات واقعهم الخاص والعام، مما أوصلهم لليأس وإرادة «فش الخلق/إشباع الغليل» كما يقال بشكل عدمي انتحاري بمنطق «عليَّ وعلى أعدائي» «هي خربانة خربانة». ورسالة الفيلم هي؛ لمنع خلق جوكر جديد يجب على الحكومات تقديم الرعاية اللازمة للفئات الهشة ومراعاة التبعات الإنسانية لسياساتها، وعلى الأثرياء التوقف عن التكبر والتجبر واللامبالاة، ويجب أن تكون ثقافة المجتمع بالواقع وبالإعلام ومواقع التواصل ثقافة طِيبةٍ وتعاطف وعمق جوهري.
كاتبة سعودية
كاتبة سعودية