-A +A
نجيب يماني
ابني العزيز..

ها أنت اليوم تقف على أعتاب حياتك العملية، بعد أن أكملت شوط تعليمك، وتأهلت لخدمة وطنك.. أكتب إليك هذه الرسالة، سطورا خاصة من أبٍ لابنه؛ لكني أود أن تراها بمنظار أبعد يخرجها من دائرة الخصوص إلى العموم، كأنها رسالة جيلي لجيلك، ومكتوب زمن مضى لزمن معاش اليوم، ومتطلّع للغد.. فما سيرد فيها شأن عام، يخصّك كما يخص أبناء جيلك من شباب الوطن الغالي.


فلتعلم بني، وليعلم أبناء جيلك أنكم تعيشون اليوم أزهى وأنضر أيام وطنكم الغالي، وقد تعافى من فكر قبض على خنّاقه ردحا من الزمن، وسيطر على مفاصل الحياة بثقافة الموت، وقانون الفناء، فحوّل حياة المجتمع برمتها إلى بؤس وجفاف، وقصّ أجنحة الأحلام، وسقّف أفق التطلّع بضباب كثيف من أفكار تمجّد الموت ولا تحفل بالحياة.. يتعالى نعيقها في مساحة التكفير والتبديع والتفسيق والتحريم، فطالت في حياتنا قائمة الممنوعات حتى صرنا نتوجس من كل شيء، ونخاف من المباح.. أطالوا لحاهم، وقصّروا ثيابهم، وأغلظوا خطابهم وجلسوا على مدخل حياتنا؛ الخاصة والعامة، يمتد سلطانهم الجامح إلى كل تفاصيل حياتك، ويكفيك فقط أن تنظر إلى أحدهم وهو يتحرّى معك حول هوية زوجتك حين تكون معك في مكان عام، ويدخل في أخص الخصوصيات ليروي ظمأ فضوله، وشهوة ظنه الآثم بك وبها، ينتهر بناتك بلا حياء، ويرميك بأبشع الصفات والنعوت إن بدا منك – بنظره – تساهل حيال ما يلبسن أو يضعن من زينة حللت لهن، فأنت حينها؛ وأمام أسرتك مجرد «....»، لن نسمع بعد اليوم لعناً من على المنابر إن نمصت زوجتك حاجبها تتزين لك، لديك اليوم حياة ثرية تعيشها ومدن تاريخية أثرية تزورها دون أن يمنعك أحد خوفاً من فتنة تصيبك، لن يضيع وقتكم على أمور خلافية لا تثري فكراً ولا تنير طريقا.

أستطيع يا بني أن أمضي في تقليب صفحات هذا التاريخ البائس وطيّه من المخازي والسقطات الغبية التي بلي بها مجتمعنا حين سمحنا – من غفلتنا – لطائفة من المتطرفين بأن يفتشوا نوايانا، ويعبثوا بثوابت مجتمعنا، ويفسدوا علينا الحياة.. لكني سأعفيك من ذلك، شفقة بك، ويقينا بأنك وأبناء جيلك قادرون على قراءة ذلك التاريخ، وأنتم محصّنون اليوم بوعي باذخ، ورؤية طموحة، أبدعتها حكمة قيادتنا الرشيدة، فرسمت لكم آفاق الانطلاق في باحات الحياة، مستشرفة العام 2030 بناضج الفكر، ومفتوح النوافذ، وقدوتكم ولي عهدنا الأمين.. الذي تعهّد لكم – وقد وفّى – باجتثاث منابت ذلك الفكر الذي عطّل حياتنا، وأوثق قيدها في محطة التكلس، والاجترار..

وها أنتم اليوم مع أميركم وولي عهدكم الشاب بكل طموحه المشرع، ووعيه الباصر، وخطوه الوثّاب، يقودكم إلى متراحب الآفاق، ويشحذ فيكم الهمّة نحو القمة، وليس ثمة قمة إلا المعالي، فكونوا عونه في الصعود إلى تلك المراقي السامقات، استمتعوا بحياتكم، وقد أعاد مجتمعنا إلى سابق عهده.. مسالما كما ينبغي، فرحا كما كان، مقبلاً على الحياة مستمتعا بها، مستمسكا بمبادئه وثوابته في غير غلو أو تطرّف..

إنها حياتكم اليوم؛ معافاة من «صحوة»، ومبرأة من «قاعدة»، فأخلصوا لها العطاء، وأوثقوا عرى المحبة للوطن، ومتّنوا حبال الولاء لقيادته الرشيدة، وبهذا ولهذا تستحقون شرف الانتماء لوطن العطاء.

* كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com