قال لي مرة إنني سأموت مبكراً! ولم أصدقه، كان في عافية وصحة ونشاط مثل غزال، لكن الغزال مات فعلاً، مات نجيب عبدالرحمن الزامل واقفاً، ثم انتهى كل شيء، مات ولديه ما يكفي لثلاثة أعمار أخرى، كانت الأرض جميلة بك يا حبيبي، فلماذا الاستعجال؟ لا طيور أصبحت تفضل المشي في «الدمام» بعدك، والنوارس التي عرفتك ما عادت لأعشاشها حتى الآن، خلقك الله يا نجيب، القادر المقتدر نبع مياه عذباً، يتدفق سلسبيله كأنه الضوء الرقراق مذاب به العسل، وملأت أيدينا من هذا النبع، وسقيتنا حتى لامست شفاهنا باطن كفك، واقتسمنا معك الظلال والضحكات، وتعلمنا منك العطاء والبذل، والفلسفة وقرأنا معك شعر أبي العلاء والمتنبي وشعر «كي.ان.اليوت»، ودللتنا كيف نحصل على المعرفة، وكيف نؤسس طريقنا المستقل في التفكير، وأطلقنا عليك «نبع المعرفة» غير أن الحي المميت الذي يرسل ملك الموت لمن يشاء اختارك وترك الكثيرين من الآخرين أحياءً كالأموات. رحل نجيب الزامل وهو في مقتبل الشعر، والعطاء تاركاً باقات يانعة من الذكريات والكلمات بين قلوب محبيه، انطفأ كما تنطفئ النجوم بصمت كئيب.
اسمع صوت الشاعر يا نجيب يردد: أين يذهب الضباب، وبقايا القهوة وتقاويم الزمن الماضي والأصدقاء، وأردد معه، وكيف يذهب الأصدقاء بهذه السرعة، ولماذا يختفي الأحباب وهم أكثر حبّاً؟ لماذا يا نجيب يا ابن الزامل رحلت سريعاً، ومضيت عنا ونحن أكثر حبّاً، لطيبة قلبك، ونقاء روحك؟ أرثي نفسي في موتك يا نجيب لا أرثيك، أيها الحبيب الذي ضاعف وزن الحب أياماً وأياماً، أيها الصابر، العجيب، وأنت تعرف شكل الموت الذي كان يغازلك، لكن برغم هذا، كنت تعيش بيننا، تسافر، وتقرأ، وتكتب، وتفعل خيراً بحجم الجبال، وتسهر معنا. أرثي نفسي في موتك لا أرثيك، فقد صار الحصول على صديق بمواصفاتك أصعب آلاف المرات في الحصول على سمكة حية في الصحراء، خسرنا أنفسنا حين خسرناك يا نجيب، كيف لا نعتذر في غيابك ونحن الذين فشلنا من الاعتذار في حضورك أيها النقي الطاهر، لا أفكر في شيء يا نجيب الآن، أنا المرتبك كسيح الذهن، أكثر من أن أذهب إلى منزلك، وأقرع الباب، وعندما تفتحه أدخل، وأحضنك، وأقبل جبينك، وأقول لك كم هي الأرض جميلة بك، وكم هي الأرض خاوية دونك، ما أقلنا دونك يا نجيب، رحيلك خلف حزناً بيننا بحجم بحر، وأننا أحبابك أكبر بكثير من الموت، وأصغر بكثير من الفقد، وأنك كنت عطراً يتفشى بيننا، وأن ضحكتك كانت تخرجنا من وجع البيد إلى فرح الحلم، وأن كفك كانت خافضة لحرارة رؤوس اليتامى والمحتاجين.. لطفاً يا رب.. نجيب لم يكن وحيداً هنا، فخذنا سريعاً لنكون سويّاً معه.. فنجيب لا يحب الوحدة أبداً.
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com
اسمع صوت الشاعر يا نجيب يردد: أين يذهب الضباب، وبقايا القهوة وتقاويم الزمن الماضي والأصدقاء، وأردد معه، وكيف يذهب الأصدقاء بهذه السرعة، ولماذا يختفي الأحباب وهم أكثر حبّاً؟ لماذا يا نجيب يا ابن الزامل رحلت سريعاً، ومضيت عنا ونحن أكثر حبّاً، لطيبة قلبك، ونقاء روحك؟ أرثي نفسي في موتك يا نجيب لا أرثيك، أيها الحبيب الذي ضاعف وزن الحب أياماً وأياماً، أيها الصابر، العجيب، وأنت تعرف شكل الموت الذي كان يغازلك، لكن برغم هذا، كنت تعيش بيننا، تسافر، وتقرأ، وتكتب، وتفعل خيراً بحجم الجبال، وتسهر معنا. أرثي نفسي في موتك لا أرثيك، فقد صار الحصول على صديق بمواصفاتك أصعب آلاف المرات في الحصول على سمكة حية في الصحراء، خسرنا أنفسنا حين خسرناك يا نجيب، كيف لا نعتذر في غيابك ونحن الذين فشلنا من الاعتذار في حضورك أيها النقي الطاهر، لا أفكر في شيء يا نجيب الآن، أنا المرتبك كسيح الذهن، أكثر من أن أذهب إلى منزلك، وأقرع الباب، وعندما تفتحه أدخل، وأحضنك، وأقبل جبينك، وأقول لك كم هي الأرض جميلة بك، وكم هي الأرض خاوية دونك، ما أقلنا دونك يا نجيب، رحيلك خلف حزناً بيننا بحجم بحر، وأننا أحبابك أكبر بكثير من الموت، وأصغر بكثير من الفقد، وأنك كنت عطراً يتفشى بيننا، وأن ضحكتك كانت تخرجنا من وجع البيد إلى فرح الحلم، وأن كفك كانت خافضة لحرارة رؤوس اليتامى والمحتاجين.. لطفاً يا رب.. نجيب لم يكن وحيداً هنا، فخذنا سريعاً لنكون سويّاً معه.. فنجيب لا يحب الوحدة أبداً.
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com