اعتمدت إيران منهجية التوظيف السياسي المكثف لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، بهدف توحيد الجبهة الداخلية الإيرانية المحتقنة وتجاوز الاحتجاجات الشعبية الثائرة ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وخارجيا لتحريك مفاوضات الملف النووي وكسر الحصار والعقوبات الاقتصادية، عبر التلويح بردود انتقامية كبرى، تكلف الولايات المتحدة الأمريكية تواجدها في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم خطورة التلويح بخطاب الحرب، وارتفاع سقف الخطاب الإعلامي الإيراني، وبالتالي ارتفاع سقف توقعات الجمهور لطبيعة وحجم الفعل الانتقامي، مما يحد من تراجعها مستقبلا، ويدفعها والمنطقة إلى صراعات كبرى، إلا أن إيران -ببرغماتيتها السياسية- قد تكون جاهزة فعلا لصفقة كبرى بينها والغرب والمنطقة، قربانها الكبير قاسم سليماني، وملفاتها الرئيسة؛ الاتفاق النووي وإسقاط العقوبات ورفع الحصار والتعاون مع دول الإقليم وفق مبادئ القانون الدولي والعلاقات الدولية.
لاشك أن طهران نجحت بذكاء إعلامي في إعلاء قيمة قاسم سليماني بشكل أكبر من الواقع ومن تراتبيته في منظومة الحرس الثوري؛ بهدف استخدامه سياسيا كرافعة تفاوضية كبرى، والحصول على مكتسبات إستراتيجية في ملفاتها المعلقة، كما اعتمدت إيران في منهجيتها لمقاربتها للأزمة؛ على عنصري إطالة أمد الأزمة، والبحث عن ردود انتقامية متعددة عالية الصدى تمس الناخب الأمريكي، بهدف التأثير على الانتخابات وفرص فوز الرئيس ترمب في انتخابات ٢٠٢٠، وهذا كان جزءا من أهدافها في قصف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، خلال الساعات الماضية. وفي خضم هذه الأزمة الكبرى والخطرة، فإن المستفيد الأكبر هي إيران، التي أمامها فرصة إستراتيجية كبرى، قد تسهم في إنهاء حصارها الخانق، وتحقيق مصالح مختلف الأطراف بشكل متوازن، وفق عنوان عريض أساسه التنمية والازدهار والمصالح المشتركة، بعيدا عن المشاريع الثورية التي لم تعد شعوب المنطقة تحتملها وكذلك إيران، خاصة بعد الحراك الشعبي الكبير الرافض للوجود الإيراني في العراق، وتدهور الأوضاع في لبنان بشكل مخيف، فالمنطقة وشعوبها تتغير بشكل أسرع من الحكومات الطائفية.
ولاشك أنه بسقوط قاسم سليماني سقطت معه هندسة التناغم اللازمة لاستمرار منظومات المليشيات الشيعية المسلحة العابرة للحدود، والتي كان محورها كريزما وعلاقات سليماني، فهكذا علاقات لا تستند على أطر مؤسسية مستدامة، بل هي علاقات أفراد ومليشيات، قد تتناحر في أي وقت، ما يجعل المنطقة في انتظار واقع جديد الخاسر الكبير فيه العراق ولبنان وسوريا واليمن، فعندما تفقد هذه الدول سيادتها وقرارها الوطني تتحول مسرحا لمستجدات المشروع الإيراني وصراعاته مع الدول المختلفة. البارز إقليميا في هذا الحدث، هو الموقف السعودي الرسمي، الذي كان ديناميكيا ومبادرا بشكل يتفق وخطورة الأزمة وارتداداتها على المنطقة، تمثل ذلك في الخطاب السياسي الحصيف والمتزن، وكذلك مروحة الاتصالات والزيارات السعودية التي تم تنفيذها مع بغداد وواشنطن وبعض الدول الأوروبية، بهدف تجنيب المنطقة صراعات مدمرة، ولكن ولأهمية تعظيم هذا الدور السعودي وتعضيده بشكل كبير، فإن ذلك يستدعي رفع درجة التناغم بين الخطاب الإعلامي والخطاب السياسي، لتعظيم القيمة التأثيرية للمملكة في هذا الحدث الإقليمي الهام، ومواجهة تحديات المرحلة الراهنة.
* أكاديمي وباحث إستراتيجي
ALFIRM@
ورغم خطورة التلويح بخطاب الحرب، وارتفاع سقف الخطاب الإعلامي الإيراني، وبالتالي ارتفاع سقف توقعات الجمهور لطبيعة وحجم الفعل الانتقامي، مما يحد من تراجعها مستقبلا، ويدفعها والمنطقة إلى صراعات كبرى، إلا أن إيران -ببرغماتيتها السياسية- قد تكون جاهزة فعلا لصفقة كبرى بينها والغرب والمنطقة، قربانها الكبير قاسم سليماني، وملفاتها الرئيسة؛ الاتفاق النووي وإسقاط العقوبات ورفع الحصار والتعاون مع دول الإقليم وفق مبادئ القانون الدولي والعلاقات الدولية.
لاشك أن طهران نجحت بذكاء إعلامي في إعلاء قيمة قاسم سليماني بشكل أكبر من الواقع ومن تراتبيته في منظومة الحرس الثوري؛ بهدف استخدامه سياسيا كرافعة تفاوضية كبرى، والحصول على مكتسبات إستراتيجية في ملفاتها المعلقة، كما اعتمدت إيران في منهجيتها لمقاربتها للأزمة؛ على عنصري إطالة أمد الأزمة، والبحث عن ردود انتقامية متعددة عالية الصدى تمس الناخب الأمريكي، بهدف التأثير على الانتخابات وفرص فوز الرئيس ترمب في انتخابات ٢٠٢٠، وهذا كان جزءا من أهدافها في قصف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، خلال الساعات الماضية. وفي خضم هذه الأزمة الكبرى والخطرة، فإن المستفيد الأكبر هي إيران، التي أمامها فرصة إستراتيجية كبرى، قد تسهم في إنهاء حصارها الخانق، وتحقيق مصالح مختلف الأطراف بشكل متوازن، وفق عنوان عريض أساسه التنمية والازدهار والمصالح المشتركة، بعيدا عن المشاريع الثورية التي لم تعد شعوب المنطقة تحتملها وكذلك إيران، خاصة بعد الحراك الشعبي الكبير الرافض للوجود الإيراني في العراق، وتدهور الأوضاع في لبنان بشكل مخيف، فالمنطقة وشعوبها تتغير بشكل أسرع من الحكومات الطائفية.
ولاشك أنه بسقوط قاسم سليماني سقطت معه هندسة التناغم اللازمة لاستمرار منظومات المليشيات الشيعية المسلحة العابرة للحدود، والتي كان محورها كريزما وعلاقات سليماني، فهكذا علاقات لا تستند على أطر مؤسسية مستدامة، بل هي علاقات أفراد ومليشيات، قد تتناحر في أي وقت، ما يجعل المنطقة في انتظار واقع جديد الخاسر الكبير فيه العراق ولبنان وسوريا واليمن، فعندما تفقد هذه الدول سيادتها وقرارها الوطني تتحول مسرحا لمستجدات المشروع الإيراني وصراعاته مع الدول المختلفة. البارز إقليميا في هذا الحدث، هو الموقف السعودي الرسمي، الذي كان ديناميكيا ومبادرا بشكل يتفق وخطورة الأزمة وارتداداتها على المنطقة، تمثل ذلك في الخطاب السياسي الحصيف والمتزن، وكذلك مروحة الاتصالات والزيارات السعودية التي تم تنفيذها مع بغداد وواشنطن وبعض الدول الأوروبية، بهدف تجنيب المنطقة صراعات مدمرة، ولكن ولأهمية تعظيم هذا الدور السعودي وتعضيده بشكل كبير، فإن ذلك يستدعي رفع درجة التناغم بين الخطاب الإعلامي والخطاب السياسي، لتعظيم القيمة التأثيرية للمملكة في هذا الحدث الإقليمي الهام، ومواجهة تحديات المرحلة الراهنة.
* أكاديمي وباحث إستراتيجي
ALFIRM@