يهيمن على سياسات وتوجهات أردوغان، «حلم إحياء الإمبراطورية العثمانية المزعومة»، وهو ما تجسد في خطاباته العصبية الحادة، وسياساته العدائية تجاه المعارضة ودول الجوار، والتي كشفت عن رغبة لشغل مكانة «السلطان الجديد المزعوم»، وهو ما يرتبط بعمليات تفكيك وإعادة هيكلة الهوية التركية، فتبنى مظاهر الإرث العثماني وسياسات الهيمنة والتوسع الإقليمي لإعادة إنتاج عهد «الاستعمار العثماني» في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من مساعي تركيا الأردوغانية إلى الظهور بالمظهر المتوازن ما بين مكتسبات الدولة الأتاتوركية الحديثة، والإرث الحضاري المتمثل في الإمبراطورية العثمانية، فإن ملامح هذه التوليفة يطغى عليها الإرث القديم وفق العديد من المعطيات، إذ يجمع العثمانيون القدماء والجدد على الرغبة في الانتقام، واتباع سياسة الانتقام الممنهج، وتظهر الوقائع أن تهميش العرب والأطماع الإمبريالية مكون رئيس في العقلية العثمانية عند العثمانيين القدامى والجدد، وكثيراً ما كان افتعال المعارك والحروب أداة من أدوات الأتراك للوصول للمكاسب السياسية. إن سقوط أردوغان وضياع حُلم «العثمانيين» الجدد أصبح مسألة وقت بعد أن انهار اقتصاده، وتدنت قيمة عملته، وتفاقمت ديونه، وانفض عنه حلفاؤه.. لقد أطل علينا العثمانيون الجدد من خلال أدوات التوسع الإقليمي؛ إذ انتهج أردوغان سياسات النفوذ والتوسع من خلال التدخل المستمر في شؤون دول الإقليم، حيث لا تخلو خطاباته السياسية من طرح رؤى حول السياسات، واعتمد العثمانيون الجدد في تركيا منذ وصول أردوغان إلى سدة الحكم وتحالفه مع حركات «الإسلام السياسي»على سياسة دعائية تهدف إلى تجميل الخلافة العثمانية في العيون ووضع السم في العسل. إن مشروع «العثمانيين الجدد» يهدد المنطقة العربية برمتها، وأحدث دليل على ذلك التدخل السافر في ليبيا بعد سورية، ورغم أن جميع دول المنطقة والأمم المتحدة تنشد الحوار بين الإخوة الأعداء في ليبيا لتجنيب هذا البلد العربي الوقوع في مستنقع الحرب الداخلية والتنافر وإبعاده عن بؤر الإرهاب الظلامي؛ إلا أن رئيس النظام التركي الذي استمرأ التدخلات في الشؤون الداخلية وتفنن في بث الفرقة في جسد الدول العربية والاسلامية، حرص على تكريس الفكر الإخواني التآمري لتحويل ليبيا إلى ضاحية إرهابية لتهديد الدول المجاورة، وذلك لأنه يسعى إلى تحقيق عدة أهداف منها: استكمال مشروع الإسلام السياسي التخريبي، الدخول في صراع الطاقة، توتير منطقة الأبيض المتوسط، تعميق الفوضى في ليبيا طمعاً في مواردها، ودعم عصابات «الإخونج». بينما يريد شرفاء ليبيا استعادة الدولة وانضواء السلاح داخل إطار السلطة الشرعية، وطرد المليشيات الإرهابية، وفضح داعميها. تركيا الإخوانية التي تسارع الخطى في التدخل وتدمير الشعوب بعد خروجها مهزومة من قمة كوالالمبور المشبوهة ترغب في إدخال ليبيا بشكل عميق في مستنقع حرب، سيكون الخاسر الوحيد فيها الشعب الليبي ومقدراته الاقتصادية.. إنها العقلية الهمجية الأردوغانية العثمانية التي تتكرس يوما بعد يوم. لقد اتجه أردوغان المغرم إلى تصعيد حالة العربدة الأردوغانية في ليبيا غير عابئ بالرفض الليبى لتدخله في شؤونه. ومن فمه ندينه، إذ استشهد أردوغان بالبحار العثماني خيرالدين بربروس، في سياق حديثة عن الخطوات التي تسعى لها بلاده في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط.. هذا البحار الذي زعم أردوغان أنه حقق الملاحم في المتوسط خلال الفترة من (1478-1546).. إنهم العثمانيون «الجدد القدم».. حمالو الحطب... يريدون تدمير مقدرات ومكتسبات الأمة.. تبت أيديهم.
* كاتب سعودي
falhamid2@
* كاتب سعودي
falhamid2@