-A +A
حمود أبو طالب
عشت في الرياض زمناً طويلاً، درست وعملت، وعرفت تفاصيلها الحميمة، وكسبت فيها أصدقاء عمر، لكن كل ذلك الوقت كانت فيه الرياض مغلقة على نفسها، كما هي بقية مدن المملكة، أو كما كان الوطن كله، عندما كان في قبضة الانكفاء على الداخل، وليته كان داخلاً يعيش طبيعته التي فُطر عليها، والتي عاشها الأنقياء الطبيعيون الذين سبقوا جيلنا، وسبقوا وقتنا.

كنا ندفن أنفسنا في الدراسة ثم الشغل، ونحاول أن ننسى الضيق الذي نعيشه بمحاولات متعبة للخروج من شرنقة الملل، مشكلتنا أننا حضرنا إلى الرياض في السنة التي أُقفلت فيها أبواب الحياة، سنة «جهيمان» المشؤومة التي حولت الحياة بعدها إلى تصحر وجفاف لكل شيء، وجعلت كل الملامح متجهمة ورافضة لكل شيء طبيعي وإنساني وفطري. كنا نسرق الوقت، ونتحايل عليه كي يمضي بنا، لكن لا نعرف إلى أين.


الليلة، وقبل كتابة هذه السطور، كنت قد تناولت وجبة العشاء في فندق اعتدته ذكورياً بامتياز، من مدخله إلى استقباله، إلى مطعمه، إلى سنتراله، إلى كل شيء فيه، لكني هذه المرة وجدته طبيعيا وإنسانيا بشكل لم تصدقه نفسي. بناتنا في الاستقبال بمنتهى الرقي والحشمة والمهنية، المطعم يغص بالأسر المبتهجة بلا حواجز أو توتر، وأثناء دخولي من باب الفندق وقفت أرقب حافلة نزلت منها فرقة موسيقية من الخارج لإحياء حفلة لبشر يتوقون إلى البهجة.

وخلال اليوم الماضي كنت قد تجولت في الرياض، وما من مكان فيها إلا وينبض بفعالية اقتصادية أو علمية أو ثقافية أو اجتماعية، يشارك فيها أشخاص من مختلف دول العالم، ويستمتعون بأوقات جميلة خارج أوقات مؤتمراتهم وندواتهم.

الرياض تحولت إلى أيقونة فرح ونبض حياة، في الوقت الذي تقود فيه الحراك السياسي والاقتصادي في المنطقة العربية، والشرق الأوسط. إنها تشع كجوهرة في محيط مظلم مضطرب، تحرسها عيون ساهرة على أمنها وازدهارها.

تعالوا إلى الرياض، كي تعرفوا كيف يصنع الحكماء والعقلاء كل توازنات الحياة.

* كاتب سعودي

habutalib@hotmail.com